لا تتوقّف المنافسة أبدًا بين العاملين تحت سقف مؤسسة واحدة، لكن المنافسة الأخلاقية بها احترام مُتبادَل وحفاظ على مصالح الفريق، أمّا المنافسة غير الأخلاقية، فتُبحَث فيها كافة السبل حتى لو لم تكن أخلاقية في الإطاحة بالزميل المُنافِس، وهذا الأمر يكون على أشدّه بين الأطباء في المستشفيات أو المؤسسات الصحية بما قد يُؤثِّر سلبًا في سير العمل، فكيف تتعامل مع المنافسة غير الأخلاقية في العمل؟
ما هي المنافسة غير الأخلاقية؟
هي أي نشاط يكون في بيئة العمل ويتعارض مع المعايير الأخلاقية المقبولة، ويُشِير ذلك الاصطلاح إلى الأفعال التي تصبُّ في مصلحة الجاني بطريقةٍ ما على حساب زملائه الأطباء أو مؤسسة العمل ذاتها أو حتى الجمهور بشكل عام.
أمثلة على المنافسة غير الأخلاقية
تشمل أبرز الأمثلة على المنافسة غير الأخلاقية:
1. تشويه سُمعة الطبيب أمام المرضى
قد يميل بعض الأطباء إلى تشويه سُمعة زملائهم أمام المرضى كي يتفوّقوا عليهم ويصيروا هم الملاذ الآمن للمرضى بدلًا من غيرهم، وذلك قد يكون بإخبار المرضى بأنّ الطبيب غير كفءٍ مثلًا أو لا يستطيع التعامل مع هذه الحالة – وإن كانت من اختصاصه – أو غير ذلك.
2. الوشاية بطبيبٍ مُنافِس عند المُدِير
يشي بعض الأطباء بمُنافِسيهم عد المُدِير، أملًا في أن يُفصَل ذلك الزميل المُنافِس من العمل أو يبتعد عن منصبٍ ما يتنافسان عليه، وهذا بلا شك من سبل المنافسة غير الأخلاقية. صحيحٌ أنّ الأخطاء الطبية والمشكلات المُتّفق عليها في لوائح العمل ينبغي إخبار المُدراء أو أصحاب الشأن بها، لكن فِعل ذلك ادّعاءً أو بغير ضرورة أو فقط لأجل النكاية بأحد الزملاء هو من السلوكيات المُشِينة وغير الأخلاقية بلا شك.
3. تبادُل الاتّهامات دون أدلّة حقيقية
ربّما يتبادل بعض الأطباء الاتهامات فيما بينهم بالتقصير أو عدم سرعة التعامل مع المرضى كما ينبغي، وقد يحدث ذلك مثلًا مع وفاة أحد المرضى الذين قدموا إلى مستشفى يعملون بها مؤخرًا، وربّما كان أحدهم ينتظر فُرصةً مثل هذه لتحميل زميله المنافس الخطأ كاملًا، بدلًا من أن يتشاركوا في تحمُّل الخطأ معًا.
4. تصيُّد أخطاء الزملاء
ما إن تدور رحى المُنافسة بين طبـيـبَـين إلّا وقد يلجأ أي منهما لسبلٍ غير أخلاقية من أجل الإطاحة بزميله المُنافِس؛ لذلك قد يتصيّد أخطاء زميله بكل سبيلٍ أمكنه، حتى لو أدّى ذلك إلى تعدِّي المرضى عليه أو فصله عن العمل أو نقله إلى مكان آخر أو تحويله للشؤون القانونية أو غير ذلك.
أهم النصائح للتعامل مع المنافِسين في العمل
لا تقف المنافسة غير الأخلاقية عند حد، بل إنّها تحطِّم كل الأسوار، وتتجاوز كل الأعراف في سبيل تحطيم المُنافِس كي لا يقوى على المنافسة مُجددًا، ولذلك ينبغي اتّباع بعض النصائح للتعامل مع المنافسين في أماكن العمل عمومًا، مثل:
1. تقييم الوضع بعناية
بدايةً ينبغي تقييم الموقف الذي أنتَ فيه قبل الإقدام على فعل أي شيءٍ، فرُبّما تكون حساسًّا بدرجةٍ زائدة أو أنّ هناك منافسة فعلية يرتكب فيها المنافِس كل محظور كي يظل مُتقدّمًا عليك؛ لذلك قيِّم ذلك الزميل ما إذا كان تنافسيًا من هذا النوع أو أنّ فريق العمل ككل هذا سلوكه.
مثلًا إذا كان أحد زملاء العملاء يسرق الأفكار أو اعتاد دهس الآخرين للتقدُّم عليهم، وأنتَ لستَ أول ضحيةٍ له، فهُنا أنتَ أمام منافِس خطير يستدعي التفكير والتأنّي ومعرفة أصلح الطرق للتعامل معه، ومن الجيد التعرُّف إليه بشكلٍ أفضل وأعمق بعض الشيء لفهم طريقة تفكيره.
2. لا تفقد تركيزك
لا تلا تدَع مُافِسك يُشتِّتك ويُفقِدك تركيزك في أثناء العمل، فهذا سيجعله يفوز بسهولة، ويُوقِعك في أخطاء كارثية عند التعامل مع المرضى؛ لذا حاوِل التركيز في القيام بما تُجِيده كي لا تضُعف إنتاجيتك، ولا يموت مريض بين يديك بتقصيرٍ منك، ثُمّ يجد المنافِس بُغيته في الإطاحة بك لأنّك فقدتَ تركيزك منذ البداية.
3. التحدُّث إلى المنافسين
إذا كان هناك زميلًا مُعيّنًا يتنافس معك باستمرار، فأنضج ما تفعله هو مناداته للتحدُّث إليه بطريقةٍ هادئة، فقد لا يكون ذلك الشخص مُدركًا أنّه مُفرِط في التنافس ويذهب بعيدًا إلى الحدّ الذي يُؤذي معه غيره – بالطبع ليس كل الناس كذلك – لكن لا بأس من المحاولة، فقد يكون ذلك كافيًا أحيانًا لنزع فتيل المنافسة.
4. تكوين تحالفات
إذا كان هناك في مكان العمل شخصٌ مُعيّن يخلق بيئة سامّة وتنافسية في العمل عبر الإطاحة بكل زميلٍ أو إيقاعه في المشكلات، فرُبّما هذا هو الوقت المناسب لتكوين تحالف مع زملاء العمل المُتضرِّرين من ذلك المُنافِس؛ لذلك حاوِل أن تجعلهم يثقون بك وانضمّ إليهم لبحث كيفية التعامل مع ذلك الزميل.
مثلًا إذا رأيت أحد المُتضرّرين على وشك الوقوع في مشكلةٍ سيتصيّدها الزميل غير الأخلاقي، فحاوِل أن تُساعِده في تجاوز المحنة وإلّا وقع فريسة لذلك المُنافِس وصِرت أنتَ الهدف التالي.
5. نافِس نفسك
استخدِم هذه المنافسة غير الصحية لتحسين نفسك ومهاراتك عمومًا، وحوِّل طاقتك للتركيز على تحسين نقاط قوتك وضعفك في مكان العمل.
قالت الدكتورة إيفون توماس، عالمة النّفس المُقيمة في لوس أنجلوس: “يقوم الأشخاص التنافسيّون بإنجاز الأمور ولديهم الكثير من الانضباط الذاتي والمثابرة والقدرة على التحمُّل، وعادةً لا يستسلمون بسهولة في السعي ليكونوا الأفضل في كل ما يهدفون إليه. نظرًا لأنّ الأشخاص التنافسيين غالبًا ما يكونون مُتحمّسين للغاية ويُقدِّمون أداءً على أعلى مستوى، فيُمكِنهم على الأرجح إلهام الآخرين للعمل والأداء بأفضل ما يمتلكون من قدراتٍ أيضًا”.
هذا هو تأثير التنافس الذي ينبغي أن يظهر عليك، لا مُجرّد الخوض في مشكلات لا أول لها من آخر ومحاولة الإيقاع بذلك الزميل والاندفاع وراء السبل غير الأخلاقية التي لن تُفِيد كثيرًا، فالمنافسة إن لم تدفعك إلى تحسين مهاراتك، فهي على الأرجح ذات ضررٍ عليك وإن لم تنتبه لذلك بعد.
6. التحدُّث إلى المُدِير
أحيانًا قد يكون للمنافسة في مكان العمل تأثير ضار على الفريق، وإذا لم يُعلَم الشخص المُتسبِّب في هذه الظروف تأثير سلوكه على الآخرين وعلى سير العمل، فرُبّما من الأفضل طرح المشكلة ومناقشتها مع رئيس العمل، لكن ينبغي أن تكون حذرًا في كلامك كي لا تبدو بمظهر المُتسبِّب في الصراع، ويُمكِن طرح السؤال بصيغة الغائب مثلًا: “إذا كُنتَ تُشرِف على زميل يُنشِئ بيئة سامّة في العمل بسبب تنافسه، ويُؤثِّر في إنتاجية الفريق، كيف تتعامل معه؟” فهُنا أنت لم تصبُّ المشكلة على شخصٍ بعينه قد يتضرر – وهو السبب بأفعاله – كما أنّ معنويات فريق العمل هي شغلك الشاغل أمام المدير لا استهداف شخصٍ بعينه.
7. كُن محبوبًا
ذلك الزميل المُمتلئ تنافسًا قد يظنّ أنّك ستحاول تخريب نجاحه، فيتعامل معك على أنّك عدو قبل أن يتفاهم أو يتعرّف إليك؛ لذلك ابذل قصارى جهدك لتُظهِر له أنّك ودود معه حقًا، وأنّك لستَ بصدد تخريب مصالحه أو نجاحاته، بل لكل منكما طريقه الخاص، فرُبّما يُلغِي ذلك حكمه الأوّلي عليك، ويثوب إلى رشده ويتوقّف عن طرقه التنافسية المزعجة.
8. تغيير مكان العمل
إذا فشلتَ تمامًا في التعامل مع ذلك المُنافِس وبدت سطوته على مِنْ حوله وتمكُّنه من الإطاحة بكل منافسٍ تلو الآخر وأنتَ فريسته اليوم، فلا ضير من تغيير مكان العمل بالكُلّية والابتعاد عن ذلك المُنافِس الذي لن يتوقّف عن استخدام أي وسيلة مهما كانت وضيعة أخلاقيًا في التفوق على زملائه.
نصائح للطبيب كي يظل في صدارة المنافسة
فيما سبق كانت نصائح تُركِّز على التعامل مع من يُنافِسك وكيف تتفادى ضرره، أمّا ما يلي ذلك فهي نصائح كي تظل في الصدارة مهنيًا ولا يتمكّن أي منافس من التفوُّق عليك في مضمارك المهني:
1. إعطاء الأولوية لرعاية المرضى
رعاية المرضى هي مُرتكَز عملك، فيجب عليك معاملة المرضى برفق واحترام استقلاليتهم، وإشراكهم في قرار العلاج والخيار المُناسِب لهم، والحصول على رضا المرضى مهم للغاية، فحتى لو قدّم زميلٌ ما شكوى ضدك على سبيل الكيد والضرر، فإنّ سُمعتك في المستشفى وبين المرضى كفيلة بردّ مثل هذه الشكاوى والادّعاءات المُزيّفة.
2. تنمية التواصل والمهارات الشخصية
التواصّل الفعال هو جوهر رعاية المرضى الناجحة، وينبغي للأطباء تطوير مهاراتهم في التواصل مع المرضى، والاستماع جيدًا إليهم، فهذا يُشعِر المريض بأنّه محل اهتمام كبير، كما أنّ بناء علاقات قوية مع المرضى يُعزِّز الثقة المُتبادلة، ويجعلك بمثابة المرجِع إلى المريض عند إلمام أي مرضٍ به، أمّا المُنافِس فليُحاوِل أن يُحسِّن علاقته بالمرضى كما تفعل ويبتعد عن السبل غير الأخلاقية، وإلّا فستُحلِّق في الصدارة بعيدًا عنه بكل تأكيد.
3. الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية
لا ينبغي أن تدع المنافسة أو المهنة تُؤثِّر على حياتك الشخصية، فرعاية نفسك والاهتمام برغباتك أيضًا من الأمور التي لا تقل أهمية عن رعاية المرضى، كما أنّ عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية، قد يُؤثِّر سلبًا في قدرتك على التعامل مع المرضى وعلاجهم، ما قد يخلق ثغرة ينفذ من خلالها المنافِس وضيع الأخلاق لإلحاق أي ضررٍ بك.
ملخص عن التعامل الصحيح مع المنافسة غير الأخلاقية
لا تتوقّف المنافسة في أي مكان عمل، لكن المنافسة غير الأخلاقية ذات أضرار على العمل ككل، وفي القطاع الصحي، قد تضر حياة المرضى أولًا، ثُمّ قد تسلب مهن الأطباء منهم ثانيًا؛ لذلك ينبغي أن تُقيِّم الوضع بعناية أولًا إن لاحظت من يُنافِسك بطرق غير أخلاقية، ثُمّ محاولة التحدّث إليه وفهمه إن أمكن، والتركيز على تقوية مهارات الشخصية بدلًا من الانشغال في تراشق الاتهامات، وإن عجزت في نهاية المطاف عن التعامل معه وبدت الأمور مُغلقة تمامًا، فلا بأس بتغيير مكان العمل.