الضغط العصبي لا ينتهي في مهنة الطب بسبب طبيعة المهنة التي تستدعي التعامل مع كثيرٍ من المرضى على مدار الليل والنهار، وبين حالةٍ علاجها سهل وأخرى تستدعي تدخلًا طارئًا، تتأثر الصحة النفسية للطبيب جراء هذا الضغط العصبي المستمر، في هذا المقال من مدونة أبر مدك نشرح طرق الطبيب مع الضغط العصبي بما يحافظ على صحته النفسية.
كيف تناولت الدراسات ظاهرة الضغط العصبي للأطباء؟
أظهرت إحصائيات مؤخرًا أنَّ العاملين في المجال الطبي أكثر عُرضةً للانتحار مقارنةً بغيرهم من الناس، وتحديدًا الطبيبات أكثر بمُعدَّل 2.2، والأطباء الذكور أكثر بمُعدل 1.4. كما أنَّ الأطباء الشباب هم الأكثر عُرضةً لذلك، مع معاناة 20% من مُتدرِّبي الأطباء من أفكارٍ انتحارية، وهذا يعكس الحالة النفسية لهم بكل تأكيد.
وفي تقرير للمجلة الطبية البريطانية في عام 2011، تبيَّن أنَّ ⅓ الأطباء لديهم اضطرابات نفسية، وفي استبيان للكلية الملكية البريطانية للأطباء المبتدئين، شعر 80% منهم أنَّهم يعملون تحت ضغطٍ مستمر، وشعر ¼ هؤلاء الأطباء بأنَّ ذلك التوتر يُؤثِّر في صحتهم النفسية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، حسب دراسةٍ لميد سكايب على 15,000 طبيب من 29 تخصص مختلف، تبيَّن أنَّ 42% منهم قد أُرهقوا نفسيًا، و12% منهم لديهم اكتئاب.
وتُعدّ الطبيبات الإناث الأكثر عُرضةً للتوتر والاحتراق النفسي؛ بنسبة بلغت 48% منهن، بينما وصلت النسبة بين الأطباء الذكور إلى 38%.
ما أثر التوتر المستمر على الطبيب؟
تتضاعف مشكلات التوتر المستمر للأطباء، خاصةً مع تعاملهم المستمر مع المرضى، وشعورهم الشديد بالإرهاق بعد قضاء يومٍ طويل في العناية بالمرضى ووضع الخطط العلاجية المُلائمة لهم.
يتسبَّب ذلك التوتر المزمن، الذي صار جزءًا من حياة الطبيب، في ما يُسمَى ب”الاحتراق النفسي”، وهو عبارة عن ثلاثة أشياء: أولًا الإرهاق النفسي، الذي يُؤدِّي إلى التعب وغياب الشغف أو ضعفه بعض الشيء. ثانيًا ضعف المشاعر، وتعني بوصف المواقف السلبية التي يمر بها الطبيب، والتي قد تجعله يتعامل مع المرضى على أنَّهم أشياء لا آدميين. ثالثًا تراجع الإنجاز الشخصي وتراجع قدرة الطبيب على إدارة وتخطيط حياته المهنية.
هذا “الاحتراق النفسي” قد يُؤدِّي إلى التوتر الشديد والمزمن، خاصةً للطبيب، ما يجعله مُعرَّضًا لكثيرٍ من الاضطرابات الأخرى، مثل الاكتئاب. والقلق واضطرابات النوم والإرهاق وتفكُّك العلاقات مع الآخرين.
ونظرًا لأنَّ الأطباء هم الخط الأول في مواجهة العديد من القضايا اليومية الصحية والإنسانية، فهم الأكثر عُرضةً للتوتر والاكتئاب دون غيرهم من ممارسي المهن الأخرى.
ما مدى خطورة التوتر على ممارسة مهنة الطب؟
ينعكس التوتر المستمر على ممارسة الطبيب لمهنته بوضوح، خاصةً أنَّ ساعات العمل الطويلة والشاقة، أو العمل الزائد، أو المتطلبات العلمية التي يحتاج إليها الطبيب في مهنته تُفضِي في النهاية إلى التوتر باستمرار.
وللأسف الشديد، ففي القطاع الطبي ثمَّة وصمة وخجل بشأن استشارة طبيبٍ نفسي لمساعدة الطبيب المُصاب بتوترٍ أو اكتئاب، ما يجعل هذا الطبيب يتجنَّب الحصول على المشورة التي يحتاج إليها؛ كي يُؤدِّي مهنته بأفضل صورة. وهذا يتسبَّب في تفاقم الأزمات النفسية التي يمرّ بها الطبيب بلا شك، ما يُؤثِّر على سلوكه العام مع المرضى، ويجعله عُرضةً للانهيار العاطفي أو النفسي على المدى البعيد، أو سوء التعامل مع المرضى، أو حتى عدم التركيز في التشخيص الصحيح لعلاج المريض.
كيف يتعامل الطبيب مع الضغط العصبي في بيئة العمل؟
لأجل كل ما سبق، وحفاظًا على الصحة النفسية للطبيب، وضمانًا لقدرته على إنجاز مهمته مع المريض، يُفضَّل أن يتعامل الطبيب مع الضغط العصبي وفق النصائح الآتية:
1. تحديد علامات التوتر
للتوتر والإرهاق النفسي علامات ينبغي أن يعلمها الطبيب؛ كي يتمكَّن من التعامل معها فور ظهورها دون أن تُسبِّب له مشكلاتٍ أكثر، ومن أهم هذه العلامات ما يلي: التشاؤم وغياب الكفاءة المطلوبة في التعامل مع المرضى والقلق واضطرابات النوم.
برصد علامات التوتر، يمكن للطبيب الشروع في التعامل معه بطرقٍ صحيحة كأن يتعقّب بعد ذلك أسباب التوتر، أو يحاول أخذ إجازة من العمل، أو يتحدَّث مع صديقٍ له مثلًا. وقد أفادت الدراسات بأنَّ الصلابة ومجابهة التحديات بقوة من أفضل طرق الوقاية من التوتر، ولا تعني الصلابة التماسك باستمرار، وإنَّما التعافي سريعًا والعودة إلى ممارسة العمل بنشاطٍ بعد فترة التوتر أو الأزمة النفسية.
2. التعرُّف إلى مُسبِّبات التوتر
قد تكون بعض الأشياء هي السبب في التوتر داخل مكان العمل؛ لذا ينبغي ترتيب الأولويات بالنسبة إلى الأشياء التي تُوترّك أيها الطبيب.
فمن الأمور التي تُسبِّب التوتر مثلًا قضاء الممارس العام 6 ساعات على الأقل كل أسبوع مشرفًا وحده، وعندما يمرّ يوم به نوبة طويلة من التعامل مع المرضى مثلًا، ينبغي للطبيب أن يأتي في اليوم التالي وفق ساعات عمل إدارية، وهذا قد يكون مُتعِبًا، ومُرهقًا للصحة النفسية بكل تأكيد.
كذلك قد تُؤدِّي بعض مشكلات أماكن العمل إلى التوتر الشديد للأطباء، وكذلك بعض الممارسات في بيئة العمل مثل:
- غياب التعاون والتواصل بين الزملاء في الممارسة.
- أنظمة غير فعالة في إدارة سير الممارسات داخل المستشفى، أو قديمة عفا عليها الزمان.
- برمجيات إدارة الممارسات غير موجودة أو قديمة.
- عدم حضور المريض أو غيابه عن الموعد الذي وضعه الطبيب.
- صعوبة الالتزام بجدول مواعيد مزدحم في مكان العمل.
وبمعرفة الطبيب ما يُسبِّب له التوتر، فإمَّا أن يُقلِّل التعرض له، أو يجتنبه، أو يغير مكان العمل إن استطاع. وقد يصعب تفادي مُسبِّبات التوتر في المستشفى أو العيادة، لكن يُمكِن بالتأكيد تفادي بعض أسباب التوتر خارج هذه الأماكن، فمثلًا يُمكِنك تجنُّب قيادة السيارة في أوقات الذروة والازدحام الشديد إن كان ذلك يُوتِّرك.
3. إراحة الذهن
ضغط العمل اليومي متواصل ولا يتوقف، وإن لم يلتقط الطبيب أنفاسه ويرح ذهنه فترة من الوقت، فقد يلتهم التوتر أوقاته، ويجعل حياته عسيرة. لذا لإعادة الشحن، وتحسين الحالة النفسية، والتغلُّب على قدرٍ لا بأس به من التوتر، يُمكِنك أخذ إجازة من العمل من وقتٍ لآخر لا لشيءٍ إلَّا لتصفية الذهن قليلًا، والحصول على قسطٍ مناسبٍ من الراحة، ولم لا تقضي أيضًا بعض الوقت مع أسرتك؟
أخذ إجازات على فترات منتظمة من الأهمية بمكانٍ لصحة الطبيب النفسية وحياته الأسرية، خاصةً إذا كان يتعرَّض لضغط مستمر في بيئة العمل، بل إنَّ العطلات الأسبوعية من الأهمية بمكانٍ فقط لتخفيف التوتر عن الطبيب، وتجعله قادرًا على استئناف عمله بنشاطٍ جم مع المرضى من أول أيام الأسبوع.
4. التحدث مع أصدقائك
التحدث إلى صديقٍ أو الإفضاء إلى محبوبٍ مِمَّا يزيل كثيرًا من التوتر عن عاتق الطبيب، فبسماع غيرك لك وكسبك تعاطفه، تُزِيح العبء النفسي عن كاهلك، ولا بأس أن يكون ذلك أيضًا بشكلٍ منتظم.
وفي أحد المستشفيات اتفق الطاقم الطبي الخاص بقسم الطوارئ بالاجتماع بعد التعامل مع مرضى ذوي إصابات شديدة، لا لشيءٍ إلا لمجرد الحديث والتخلص من التوتر، ومعرفة ما يشعر به كل فرد، فهذا يزيد الترابط بين أفراد الطاقم الطبي، ويجعل التوتر بعيدًا عنهم ولو قليلًا.
كذلك قد يمر الطبيب ببعض المواقف التي ترهقه نفسيًا في محل العمل، وربَّما باستشارة صديقٍ أو رفيقٍ ما، يطرح عليه حلًا ملائمًا للتغلب على هذه المشكلة، وتجاوز التوتر الذي سبَّبه له العمل، خاصةً إذا مرّ الصديق بتجربة مشابهة من قبل.
5. اهتم بنفسك كما تهتم بمريضك
هذه أسهل طريقة للتعامل مع الضغط العصبي، وهي أن تهتم بصحتك النفسية كما تحرص على صحة مريضك، فلا تتهاون في عمل ما يمكن لتحسين صحتك النفسية والجسدية على حدٍ سواء، مثل:
- النوم عدد كاف من الساعات.
- تناول طعام صحي.
- ممارسة بعض التمارين الرياضية التي تساعد في التخلص من التوتر.
أيضًا قد يكون السبيل لتخفيف الضغط العصبي في بيئة العمل أو التوتر بفعل شيءٍ ما تحبه، أو هواية تعشقها، فهذه الأمور تُخفِّف حدة التوتر كثيرًا.