هل تتجاهل أسئلة المريض التي يطرحها عليك بينما أنت مُنهمِك في التفكير في التشخيص، أو قد بدأت كتابة الوصفة الطبية استعدادًا لتوديع المريض واستقبال مريض آخر؟ هذا واحد من أهم الأخطاء المهنية التي يرتكبها الأطباء عند التعامل مع المرضى، والتي تترك انطباعًا سلبيًا لدى المريض، حتى لو كان العلاج صحيحًا وتحسَّنت حالة المريض عليه، لكن هذا ليس الخطأ الوحيد الذي يُزعِج المرضى من الأطباء، فما أهم الأخطاء التي يرتكبها الأطباء عند التعامل مع المرضى؟
أخطاء يرتكبها بعض الأطباء عند التعامل مع المرضى
كي تكون طبيبًا ناجحًا، متفوقًا على أقرانك، فلا بُدّ أن يكون المريض راضيًا عن لقائك، لا فقط أن يتلقَّى العلاج المُناسِب وتتحسَّن حالته، وفيما يلي توضيح أهم الأخطاء التي قد يرتكبها الأطباء عند التعامل مع المرضى، وتُؤثِّر سلبًا في سُمعة الأطباء:
1. تجاهل أسئلة المريض
لا يسعد المريض بكل تأكيد عندما لا يتلقَّى جوابًا شافيًا عن أسئلته، بل قد يشعر بأنَّ هذا نوعٌ من التجاهل وعدم الاحترام له، خاصةً أنَّ معظم المرضى لديهم أسئلة يطرحونها بشأن حالتهم المرضية، والوقت الذي سيستغرقه العلاج، وغير ذلك من الأسئلة.
لذا ينبغي للطبيب أن يُصغِي جيدًا لمريضه، وأن يكون صدره متسعًا للأسئلة، فبعض المرضى يطرحون أسئلة كثيرة وقد تكون مُكرَّرة في بعض الأحيان، لكن إجابة تساؤلات المريض أفضل قطعًا من تجاهله؛ لأنَّ التجاهل يجعل سُمعة الطبيب غير طيبة في بعض الأحيان.
يُفضِّل معظم المرضى المناقشة مع الطبيب، وأن يجدوا إجابات لأسئلتهم، أمَّا التجاهل فلا يُحبّه أحد، وبالتجربة فقد أبدى كثيرٌ من المرضى ارتياحهم عند خوض نقاشٍ مع الطبيب بشأن حالتهم المرضية، بينما لم يكونوا راضين أبدًا عن تجاهل الطبيب لهم رغم خبرته وتشخيصه الصحيح.
2. المحاباة أو التحيُّز
يأتي بعض المرضى إلى الطبيب بتوصية من طبيبٍ صديق، أو من أحد أقارب الطبيب، ما يجعل الطبيب يهتم بهؤلاء المرضى أكثر من غيرهم، ويُولِيهم الرعاية مضاعفة مقارنةٍ بغيرهم من المرضى.
هذا ما لاحظه بعض المرضى في دراسةٍ أُجريت لرصد الأخطاء التي يرتكبها الأطباء عند التعامل مع المرضى؛ إذ قال أحد المرضى الآتين للطبيب بعد توصيةٍ من صديق له: “فحص الطبيب حالتي بدقة، وعاملني باحترام، وأعتقد أنَّه فعل ذلك لأن بيننا صديق مشترك أوصاه بحسن معاملتي”.
لذا ينبغي للطبيب أن يرعى المرضى كُلّهم بنفس القدر، فالمرضى يتحدّثون دومًا عن مدى الرعاية التي تلقّوها، وطريقة معاملة الطبيب لهم، وسواء أكان المريض آتيًا من قِبل أحد أصدقائك أو لا، فإنَّ توحيد المعاملة وجعلها أرقى ما يُمكِن مع كل المرضى، يخلق ثقة بينك وبينهم، ويجعلهم بحاجةٍ إليك على الدوام.
3. عدم إظهار التعاطف المناسب مع المريض
أحد الشكاوى المُتكرِّرة على ألسنة المرضى، هي عدم قضاء وقتٍ كافٍ مع الطبيب، وعدم إظهار الطبيب ما يكفي من التعاطف معهم، أو بالأحرى اهتمام الطبيب فقط بكتابة الوصفة الطبية إثر سماع شكوى المريض، أو حتى عدم ترك المريض لإكمال الشكوى، والتركيز فقط على كتابة الوصفة الطبية وتقديمها له.
يقرأ ذلك المريض على أنه نوعٌ من عدم التعاطف معه، فصحيحٌ أنَّه قد حصل على الوصفة الطبية التي يرجوها، لكن للمرضى تطلّعاتٍ أكثر من ذلك، فيُحبّ المرضى أن يُتاح لهم الحديث بأريحية بشأن حالتهم، وأن يتناقش معهم الطبيب، ويُظهِر بعض التعاطف معهم، لا فقط أن يكتب لهم الدواء.
4. ضعف التواصل غير اللفظي بين الطبيب والمريض
من الأخطاء التي قد يقع فيها الأطباء دون درايةٍ، التركيز في محاولة تشخيص المريض دون الاهتمام بالتواصل مع المريض أولًا بشكلٍ مناسب؛ إذ يكتفي الطبيب بالانتباه أو التركيز على شي يكتبه، أو موضع مُعيّن يفحصه من جسم المريض دون أن يهتم بالتواصل معه وجهًا لوجه، أو حتى يستأذنه أو يُعلِمه بما يفعله بدقة.
مثل هذه التصرفات تخلق فجوة بين الطبيب والمريض يصعب ردمها، ويُشِير غياب التواصل غير اللفظي بين المريض والطبيب إلى هشاشة العلاقة بينهما، ورغبة الطبيب فقط في أداء مهمته مع المريض دون إنشاء تواصلٍ مناسبٍ أولًا.
إليك سرٌ عزيزي الطبيب، لا يأتي المريض فقط للحصول على الدواء، وإنَّما هو يُراقِب حركة الطبيب وتصرفاته معه، فإن شعر بالرضا واكتسبتَ ثقته، صار المريض مُلازمًا لكَ، يأتيك لاستشارة حتى لو لم تكن مُتخصِّصًا فيما أتاك من أجله، ويُوصِي أقرباءه وأصدقاءه بالتعامل معك دون غيرك في الاستشارات الطبية. لذا لا تتردَّد في الترحيب بالمريض والاستماع إليه جيدًا، والتواصل معه وجهًا لوجه.
5. إخافة المريض أو إنماء القلق بداخله
قد ينمو الخوف والقلق لدى المريض إذا لم يُعلِمه الطبيب بالمرض الذي أصابه على وجه الدقة، أو إذا حاول الطبيب إخفاء المشكلة التي لدى المريض.وتروي أحد المشاركات في دراسةٍ تقصّت أخطاء تعامل الأطباء مع المرضى تجربتها كالتالي:
“خضعتُ لجراحةٍ لعلاج حصى المرارة. فحصني الطبيب وأخبرني بأنَّ الألم غير داع للقلق، وأنَّني لستُ بحاجةٍ إلى جراحةٍ الآن، ومع ذلك فسأظلّ في المستشفى 2 – 3 أيام؛ لتتبُّع سبب الألم، وبعد ساعةٍ من الزمن أخذني الطبيب إلى غرفة العمليات، وتفاجأتُ بأنَّه سيُجرِي العملية الآن”.
هنا لم يُطلِع الطبيب المريضة على المشكلة، وأنَّها بحاجةٍ إلى تدخُلٍ جراحي، ثُمَّ فاجأها بعد ذلك بضرورة إجراء الجراحة. السؤال هنا ماذا لو أخبرها الطبيب منذ البداية؟ ألم تكن المريضة أكثر اطمئنانًا وأقل خوفًا؟
كذلك لا ينبغي للطبيب أن يُخبِر المريض بتشخيص حالته (قد يُشخَّص بمرضٍ مُميت) دون أن يُظهِر له تفاؤلًا ولو قليلًا، وألَّا يُخِيفه عندما يُخبِره بالتشخيص، ولذلك ينبغي للطبيب أن يكون حكيمًا في تصرُّفه، دقيقًا في اختيار الكلام الذي سيتحدّث به مع المريض؛ كي لا يتولَّد لديه خوف أو قلق، وتصير تجربته مع الطبيب كابوسًا لا يرغب في خوضه مرة أخرى أبدًا.
6. عدم الاهتمام بشكوى المريض
لنتفق على أنَّ بعض المرضى يخرجون عن النمط المعهود، ويتحدّثون في مشكلاتٍ أخرى أحيانًا غير المشكلة الصحية التي أتوا من أجلها.
حقيقة الأمر أنَّ هؤلاء المرضى قد يظنُّون أنَّ هذا جزءٌ من الشكوى المرضية التي ينبغي للطبيب أن يهتم بها أيضًا، وإن لم يتمكَّن الطبيب من تشتيت انتباه المريض، أو محاولة جعله يُركِّز على الشكوى المرضية فقط، فلا ضير من إبداء بعض الاهتمام بشكواه عمومًا، أمَّا التجاهل فلا يُحبِّه المرضى.
هذه واحدة، والأمر الثاني أنَّ بعض الأطباء قد يتجاهلون شكوى المريض بشأن مرضه، فيُسرِع إلى كتابة الوصفة الطبية دون الاستماع إلى شكوى المريض بدقة وتفصيل.
صحيحٌ أنَّ الطبيب قد يكون خبيرًا في الداء الذي أتى المريض لأجل تشخيصه، لكن كلُّ مريضٍ هو إنسان، وأول مرة يلتقِي بك، فلا بُدّ أن تكون تجربته معك رائعة، مذهلة، يتحدَّث عنها مع الناس كلهم، وعن مدى اهتمامك بشكواه واستماعك إليه دون أن تبدو منزعجًا من ذلك.
لذا حاوِل أن تسمع شكوى المريض واتركه إلى أن يفرغ منها، ثُمَّ أعطِه الوصفة الطبية؛ لأنَّ بعض المرضى يرون أحيانًا في عدم اهتمام الطبيب بشكواهم أنَّ هذا تعالٍ من الطبيب على المريض.
7. عدم احترام وقت المريض
قد يطول انتظار بعض المرضى في عيادات الأطباء لأوقاتٍ طويلة، أو بالأحرى لا يلتزم الطبيب في مواعيده مع المرضى، وفي هذا عدم احترام لوقت المريض، يجعله منزعجًا بشدة من مجرد التفكير في زيارة الطبيب مجددًا.
لذا ينبغي للطبيب أن يكون دقيقًا في مواعيده، وأن يلتزم بها مع المرضى؛ حرصًا على وقتهم لأنَّهم لهم ما يشغلهم أيضًا، وليس الطبيب وحده هو المشغول.
8. تجاهل خصوصية المريض
ينبغي أن يكون للمريض خصوصيته، فلا يُفحَص في المستشفى بمرأى من الجميع، ولا أن يُجرَى له اختبار أو فحص دون استئذان، كما أنَّ للمريض الحق في اختيار طريقة العلاج التي تناسبه.
ينبغي للطبيب أن يطرح على المريض الخيارات العلاجية المتاحة، ثُمَّ يختار المريض من بينهما ما يُلائمه، أمَّا قصر الاختيارات على نوعٍ واحدٍ فقط يراه الطبيب، فهذا لا يُحبِّه المرضى. ولا بأس بأن يخبره الطبيب أيضًا بمزايا وعيوب كل نوعٍ من العلاج، وأي هذه الأنواع هي الأنسب له، لكن دع الاختيار دومًا بيد المريض، وانصحه إن كان اختياره غير مُوفَّق.
أساسيات العلاقة الطيبة بين الأطباء والمرضى
ينبغي ألَّا تخلو علاقة الطبيب مع المريض من بعض الأساسيات؛ كي تدوم وتصير العلاقة مُرضية للطرفين، مثل:
- التواصل: التواصل الجيد مع المريض، وإبداء الاهتمام الكافي له ولحالته المرضية، فهذا يُشعِر المريض بالرضا، ويجعله واثقًا من قرارات طبيبه.
- تعاطف الطبيب: اقترحت بعض الدراسات أنَّ إظهار الطبيب تعاطفه مع المريض، يُساعِد في تحسين النتائج العلاجية، وكذلك جودة حياة المريض.
- الثقة: إذا كان المريض واثقًا من الطبيب، فلن يجد ضررًا من الاستفاضة في شكواه واستشارة الطبيب فيما يطرأ عليه، ومِنْ ثَمَّ فبناء الثقة مع المريض مهم جدًا، وذلك من خلال التواصل الجيد، وإبداء التعاطف معه، والاستماع إلى شكواه دون مللٍ أو ضجر.
- الموافقة المُسبَقة: لا تتخذ إجراءً في حياة المريض دون موافقة مُسبقةٍ منه أولًا، سواء كان إجراءً علاجيًا كتدخلٍ جراحي، أو تشخيصيًا كالاختبارات التصويرية؛ إذ ينبغي للطبيب أن يكون أمينًا مع المريض ويُوضِّح له ما سوف يقوم به، وأبرز الخيارات المُتاحة، ويترك للمريض حرية الموافقة أو الرفض.
هل يساهم التواصل الصحيح مع المريض في تحسن حالته؟
نعم، بكل تأكيد، ويتضح ذلك جليًا في حالة:
- الأمراض المزمنة: ثبت أنَّ المرضى المصابين بأمراضٍ مزمنة، يتمكَّنون من التعامل مع أمراضهم بشكلٍ أفضل، عندما يحصلون على معاملة طيبة من الطبيب وتواصلًا يليق بهم، كما أنَّ المريض يحاول الالتزام بتعليمات الطبيب بدقة، ما يجعل النتائج أفضل كثيرًا، مقارنةً مع غياب التواصل المناسب مع المريض أو ارتكاب أخطاء في التعامل معه، حتى لو كان التشخيص والعلاج صحيحَين.
- الأمراض النفسية: أيضًا تتحسَّن النتائج على صعيد الأمراض النفسية، فالتواصل الجيد بين الطبيب النفسي والمريض، يُساعِد المريض في التعامل بطريقة جيدة مع مرضه النفسي، والتغلب على الأعراض، خاصةً أنَّ علاج بعض الأمراض النفسية قائمٌ على نوع من التواصل أولًا بين الطبيب والمريض (العلاج المعرفي السلوكي) قبل اللجوء إلى الأدوية.