تتقدّم الصناعة الطبية وسبل التشخيص والعلاج يومًا تلو الآخر، واليوم بات المريض قادرًا على التواصل مع الطبيب والحصول على المشورة في منزله عبر التطبيب عن بعد أو التطبيب عن بُعد، إذ يتواصل الطبيب مع المريض عبر فيديو مرئي أو يُتابِع علاماته الحيوية عن بُعد إن كان من أصحاب الأمراض المزمنة، ومِنْ هنا كان لزامًا على الأطباء معرفة الاتجاهات الحديثة في الرعاية الطبية، إذ صار التطبيب عن بعد في صدارتها.
ما هو التطبيب عن بعد Telemedicine؟
التطبيب عن بعد هو استخدام التكنولوجيا والاتصالات لتزويد المرضى بالرعاية الطبية والمشورة عن بُعد، ومن خلالها يتمكّن الطبيب من تشخيص المرضى وعلاجهم وهم في منازلهم، وهذا مُفيد خصيصًا للمرضى العاجزين عن الحركة أو يعيشون في مناطق نائية، أو غير ذلك.
أنواع التطبيب عن بعد Telemedicine
تشمل أنواع التطبيب عن بعد Telemedicine في الرعاية الصحية ما يلي:
1. الاستشارة بالفيديو المباشر
تسمح تقنية الفيديو للمرضى باستشارة الطبيب عن بُعد، وذلك من خلال بث مباشر يتواصل فيه الطبيب مع المريض عبر فيديو مرئي، ما يُوفِّر وقت المريض بدلًا من الذهاب إلى عيادة الطبيب، إذ أشارت أبحاث (Cisco) إلى أنّ 74% من المرضى يُفضِّلون استخدام التكنولوجيا للاستشارات على زيارة الطبيب في عيادته.
2. المتابعة عن بُعد
تهدف المراقبة عن بُعد إلى تمكين الأطباء من متابعة صحة المرضى عن بُعد، إذ يرتدي المرضى أجهزة استشعارٍ حيوية تُوفِّر معلوماتهم الصحية للأطباء، مثل ضغط الدم، أو مستويات السكر في الدم، وذلك لاقتراح خطط العلاج المناسبة ووصف الأدوية التي يحتاج إليها المريض.
3. التخزين والتحويل للتطبيب عن بُعد
يدور هذا النوع حول تفاعل اثنين من الأطباء معًا وهما في مكانين مختلفين، وهذا مُفيد لهم في مشاركة التقارير المعملية وسجلات المرضى، وغيرها من معلومات المرضى الصحية فيما بينهم، ما يجعل نقاش خطط العلاج المناسبة للحالة أسهل بين الأطباء، وذلك مع الحفاظ على أمن بيانات المريض بالطبع، وتستخدم بعض المجالات الطبية ذلك النوع من الطب عن بعد، مثل الجلدية والأشعة وعلم الأمراض.
أهمية التطبيب عن بعد Telemedicine في الرعاية الطبية الحديثة
ليس التطبيب عن بعد بديلًا عن زيارة المستشفى أو الطبيب في عيادته، لكنّها تحمل بلا شك فوائد عديدة للأطباء والمرضى على حدٍ سواء، مثل:
1. سهولة الوصول إلى المتخصصين
يعجز بعض المرضى عن الوصول إلى أطباء في تخصصات مُعيّنة بالقُرب منهم، وبمساعدة التطبيب عن بعد يُمكِنهم بالتأكيد استشارة طبيب مُختص فيما يُرِيدونه، في أي وقت بالليل أو النهار، ودون حجز موعدٍ مُسبق والانتظار في العيادة وما إلى ذلك.
2. إيصال الخدمات الطبية إلى المناطق النائية
يُفضِّل بعض الناس العيش في الريف أو المناطق النائية، لكن ما يعيبها صعوبة الحصول على بعض الخدمات الطبية؛ لذلك فقد يوفِّر التطبيب عن بعد أو التطبيب عن بُعد مزايا عديدة لمن يعيشون بعيدًا عن المنشآت الطبية، إذ يلتقون بالطبيب سريعًا ويحصلون على التشخيص والعلاج، أو يُوجِّههم الطبيب لزيارة المستشفى إن كانت هناك حاجةٌ إلى ذلك.
ويُمكِن للطبيب الاشتراك في منصةٍ أو تطبيق للتطبيب عن بعد وعرض خدماته على من يعيشون في الريف أو المناطق النائية، فذلك أنفع له وللمرضى بلا شك.
3. تقليل التعرُّض للميكروبات
قد تزداد مخاطر إصابة المرضى بالعدوى، مثل الأنفلونزا، مع انتظار الأطباء بالساعات في غرف الانتظار، خاصةً في أوقات انتشار الأمراض؛ لذلك فإنّ الرعاية الصحية عن بُعد خيارٌ مناسب للمرضى؛ إذ تُجنِّبهم الفيروسات والجراثيم، كما أنّ ذلك يعود بفائدة أيضًا على الأطباء الذين قد يلتقطون عدوى من المريض حين تكون الزيارة وجهًا لوجه في العيادة أو المستشفى.
4. تسهيل عمل الطبيب
قد يحتاج الطبيب إلى البقاء في المنزل فتراتٍ أطول، وخلال جائحة كورونا الأخيرة، أغلقت العديد من العيادات، أو خفضت ساعات العمل، كما بقي كثيرٌ من الأطباء بمنازلهم، وفي مثل هذا الوضع، وأيًا كان سبب بقاء الطبيب في منزله، يظلّ المرضى بحاجةٍ إلى استشارة وعلاج، وهذا ممكن من خلال التطبيب عن بعد، حتى لو رغب الطبيب في إغلاق عيادته بعض الوقت.
5. متابعة الحالات المزمنة
يحتاج بعض المرضى المُصابِين بأمراضٍ مزمنة إلى مراقبةٍ مستمرة، خاصةً أنّ أعراضًا جديدة قد تظهر عليهم، أو قد يتعرّضون لمخاطر صحية فجأةً، ويُمكِن عبر التطبيب عن بعد متابعة هؤلاء المرضى باستمرار دون أن يضطروا للبقاء في المستشفى، ويقتصر ذهابهم إليها فقط إذا تدهورت حالتهم أو إذا كانوا بحاجةٍ حقيقية إليها.
كذلك يُمكِن إرسال معلومات الأشعة والتحاليل إلى الأطباء؛ لمتابعة تقدُّم المرض أو انحساره، واتّخاذ الإجراءات المناسبة لذلك.
6. العلاج النفسي عن بُعد
إذا عُدنا بالزمن إلى الوراء قليلًا في أيام جائحة كورونا، كان من الصعب على كثيرٍ من الناس مُقابلة المُعالجين النفسيين وجهًا لوجه، لكن هل وقف ذلك حائلًا عن استشارتهم، خاصةً مع زيادة حالات الاكتئاب في هذه الفترة؟ كلّا، بل حلّ التطبيب عن بُعد تلك المشكلة، وحصل المُصابون بالقلق أو التوتر أو الاكتئاب أو مشكلات الصحة النفسية، على المشورة من الأخصائيين النفسيين عن بُعد.
7. تخفيف القلق عن بعض المرضى
يقلق بعض المرضى من زيارة المستشفيات أو العيادات، أو بالأحرى يُعانِي بعض الناس متلازمة المعطف الأبيض (white coat syndrome)، وهذا قد يمنعهم من طلب الرعاية الصحية وزيارة المنشآت الطبية عند إصابتهم بمرضٍ ما، ومِنْ ثمّ فقد يُساعِد التطبيب عن بعد والتواصل عن بُعد بين الطبيب والمريض في حل هذه المشكلة، وتجاوز القلق والحصول على التشخيص والعلاج.
هل للتطبيب عن بعد Telemedicine عيوب؟
رغم الفوائد والمزايا المذهلة للتطبيب عن بعد، مثل إمكانية استشارة الطبيب دون مغادرة المنزل، إلّا إنّ لها بعض الجوانب السلبية، مثل:
- لا يُمكِن تشخيص وعلاج كل المرضى عن بُعد، بل لا يزال بعض المرضى بحاجةٍ إلى زيارة الطبيب في مكتبه، كما أنّ هناك بعض الفحوصات التي تتطلّب مغادرة المنزل، مثل اختبارات التصوير، كالأشعة السينية، وفحص الدم.
- أمن البيانات الصحية الشخصية لكل مريض، فقد تكون مُعرَّضة للاختراق، وهو ما يعيب التقنية الحديثة، والتي تُطوِّر تقنيات الأمن كل يوم لحماية البيانات.
- قد يُؤدِّي تأخر اتصالات الإنترنت أو انقطاعه، أو الصعوبات الفنية، إلى صعوبة التزام الطبيب أو المريض بالموعد، وكذلك يكون التواصل بينهما أصعب، ومِنْ ثَمّ يُفضّل في تلك الحالة زيارة الطبيب في مكتبه.
ملخص عن التطبيب عن بعد Telemedicine في الرعاية الطبية الحديثة
أسهم الطب عن بعد في تقريب المسافات، وتسهيل التواصل بين الأطباء والمرضى دون حاجةٍ إلى زيارة الطبيب في عيادته وانتظار المرضى لأوقاتٍ طويلة، فضلًا عن توفير بعض الوقت للطبيب لقضائه في منزله إن كان يرغب في ذلك، وينقسم التطبيب عن بعد إلى أنواعٍ، مثل الاستشارة بالفيديو عن بُعد، وفيها يلتقي الطبيب بالمريض عبر فيديو مرئي مباشر يتناقشان، ويُقدِّم الطبيب استشارته فيه، أو المتابعة عن بُعد للحالات المزمنة التي تتطلّب مراقبة العلامات الحيوية باستمرار؛ لرصد أي مؤشّرات على تدهور الحالة باكرًا، أو التخزين والتحويل عن بُعد، وهنا يتواصل طبيبان معًا بشأن حالةٍ مرضية لمناقشة أفضل السبل المتاحة لعلاجها.
ورغم المزايا الهائلة للتطبيب عن بعد Telemedicine إلّا إنّ له بعض العيوب، فمثلًا تحتاج بعض الفحوصات إلى زيارة الطبيب في عيادته، وكذلك تشخيص بعض الأمراض يتطلّب نفس الأمر، كما أنّ مشكلات ضعف الإنترنت أو انقطاعه قد تُؤثِّر على جودة التواصل بين الطبيب والمريض، وإن كان ذلك النوع من العلاج عن بُعد قد أفاد المرضى العاجزين عن زيارة الطبيب بلا شك.