تُعدّ مهنة الطبيب من أكثر المهن خطورةً على الإطلاق، فلو تفادى الطبيب الإصابة بالعدوى التي قد تنتقل إليه من بعض المرضى، فما زال بعضهم يُلاحقون الأطباء بدعاوى سوء الممارسة الطبية، كما أنّ المهنة تحمل مخاطر أيضًا على صحة الطبيب النفسية، وتُعرِّف أبر مدك في هذا المقال بأبرز المخاطر في مهنة الطبيب وكيفية الحماية من هذه المخاطر.
المخاطر الصحية لمهنة الطبيب
رغم أنّ الطبيب يُداوِي المرضى، ويُخفِّف أوجاعهم، لكن ذلك لا يعني إعفاؤه من المرض أو العدوى، بل إنّ مهنته من أشدّ المهن خطرًا على الصحة، وذلك يتضح فيما يلي:
1. الإصابات الحادّة
تُعدّ الإصابة بالإبر وغيرها من الإصابات الحادة من المشكلات الشائعة بين الأطباء، وغالبًا ما تحدث في أثناء الإجراءات الطبية للمرضى، مثل الحقن، واحتمال أن تثقب إبرة جلد الطبيب عن طريق الخطأ، وقد تكون مُلوّثة، أو ربّما أداة حادة غيرها، مثل المشرط.
المُشكلة في مثل هذه الإصابات ليس الجرح نفسه، ولكن العدوى التي قد تتسلّل إلى جسم الطبيب، والتي قد تكون خطيرة على صحته، خاصةً فيروس التهاب الكبد الوبائي C وفيروس العوَز المناعي البشري (الإيدز)، فهما مثلان واضحان على الأمراض التي قد تنتقل إلى الأطباء إثر إصابةٍ حادّة، خاصةً لو كانت الإبرة أو الوسيلة الحادة مُلوَّثة.
وقدَّرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها “CDC” أنَّ ما يقرب من 385,000 إبرة وغيرها من الوسائل الحادة مسؤولة عن الإصابات كل عام، ولكن من الصعب تحديد عدد هذه الإصابات بدقّة، فكثيرٌ من الناس يشعرون بالخجل والإحراج عندما يتعرّضون لمثل هذه الإصابات، التي قد تُشكِّك غيرهم في كفاءتهم في ممارسة المهنة الطبية.
ورغم أنّ الخطر المُقدّر للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الدم بعد الإصابة مُنخفِض (0.3% لفيروس العَوَز المناعي البشري، و 0.2% لفيروس التهاب الكبد الوبائي C)، إلّا إنّ هناك عوامل قد تزيد خطر العدوى، مثل التعرُّض لكميةٍ كبيرةٍ من دم المُصاب، أو التعامل مع المرضى الذي لديهم نشاطًا فيروسيًا عاليًا.
الجراحون أكثر عرضة للإصابة من الأدوات الحادة
بالحديث عن الإصابات الحادّة، فإنَّ الجرَّاحين على وجه الخصوص أشدُّ عُرضةً لهذه الإصابات؛ بسبب التعرُّض المستمر لسوائل أجسام المرضى واستخدام المشرط وغيره من الأدوات الحادّة خلال العمليات الجراحية. وحسب دراسةٍ فإنَّ المُقِيمين الجرّاحين لديهم ضِعف عدد إصابات الإبر، مقارنةً مع المقيمين غير الجراحين الذين قد يُصابُون بإبرةٍ ما مرة واحدة سنويًا مقارنةً مع المُقِيمين الجرّاحين.
أطباء الطواريء معرضون أكثر لإصابات العدوى
كذلك أطباء الطوارئ أكثر عُرضةً للإصابات الحادّة والأمراض المنقولة بالدم، بالنظر إلى تعرُّضهم المستمر للدم وسوائل الجسم الأخرى، كما أنّهم يقومون بإجراءات مُتنوِّعة للحفاظ على حياة المرضى، وقد تشمل استخدام أدوات حادة أيضًا.
وللسلامة من الإصابات الحادة، فإنّه يُساعِد ارتداء زوجين من القفازات في تقليل حجم الدم الذي قد يصل إلى الطبيب – بالخطأ – خلال تعامله مع المرضى، وكذلك غسل اليدين جيدًا قبل وبعد التعامل مع المرضى، وأيضًا ارتداء الكمّامة والنظارات الواقية، والتعامل السليم مع الإبر والوسائل الحادة مع التخلُّص منها بالطرق الصحيحة. وأمّا لو حدث احتكاك بين الطبيب وسوائل المريض بأي صورةٍ كانت، فينبغي غسل المنطقة التي تعرّضت لذلك سريعًا بالماء والصابون.
2. التعرُّض للعدوى التنفُّسية
قد لا يُصابُ الطبيب بإبرٍ أو ما شابه، لكنّه مُعرّض بلا شك لمُسبِّبات الأمراض المحمولة جوًا (airborne disease) أو الرذاذ التنفُّسي لبعض المرضى، وهذا كان بحد ذاته من أكبر مصادر القلق في جائحة كورونا الأخيرة، ورغم اتّخاذ الأطباء للاحتياطات المناسبة، إلا إنّ العديد منهم تعرّضوا للفيروس ومرضوا بسببه، بل قد فقد بعضهم حياته بسبب ذلك المرض.
وحتى قبل تفشّي كوفيد-19، فقد كان بعض الأطباء مُعرّضون لهذه الأمراض التي تنتقل عبر الهواء، مثل نزلات البرد والأمراض التنفُّسية الخطيرة، مثل السل والتهاب السحايا البكتيري، فقط يكفي مُخالطة مريض ينقل مثل هذه العدوى برذاذه من خلال السُّعال أو العطس.
وكلُّ الأطباء تقريبًا مُعرّضون لمثل هذا النوع من العدوى، لكنّ بعض التخصصات أكثر عُرضةً لها، مثل طب الأسرة وطب الأطفال وطب الطوارئ والطب الباطني.
لذلك ينبغي للأطباء ارتداء الكمّامة عند التعامل مع المرضى، خاصةً المُصابون باضطرابات تنفُّسية وتلقّي التطعيمات اللازمة للوقاية من بعض هذه الأمراض، إضافةً إلى الاهتمام بالنظافة الشخصية لليدين والتعقيم.
3. التعرُّض للإشعاع
يتعامل بعض الأطباء مع الإشعاع بصفةٍ مستمرة، إذ تُستخدَم الأشعة السينية (X-ray) والتصوير المقطعي المحوسب (CT)، ودراسات التصوير الأخرى للمساعدة في تشخيص المرضى.
ورغم اعتماد هذه الاختبارات على جرعات صغيرة من الإشعاع يُستبَعد أن تُسبِّب ضررًا على المدى القصير، إلّا أن التعرُّض المُتكرِّر لذلك الإشعاع على الأمد الطويل، قد يُلحِق أضرارًا متراكمة للحمض النووي، ما قد يزيد خطر الإصابة بالسرطان.
ووفقًا لموقع كليفلاند كلينيك، فإنّه من عام 2012، أُبلغ عن 9 حالات من أورام الدماغ في الجانب الأيسر، أو أورام الرأس والرقبة لدى أطباء القلب التداخلي الذين يعتمدون أحيانًا على التنظير الفلوري (Fluoroscopy)، كما أظهرت الدراسات أيضًا زيادة تشوه الكروموسومات لدى الأطباء المُتدخّلين (interventional) مُقارنةً بغيرهم.
وبعض التخصصات أكثر عُرضةً لمثل هذه المشكلات، مثل الأشعة التشخيصية والأشعة التداخلية وطب القلب التداخلي، وبعض التخصصات الجراحية التي قد تستخدم الأشعة في أثناء العمليات.
ويُمكِن للأطباء اتّخاذ بعض الاحتياطات لتقليل التعرُّض للإشعاع، مثل:
- ارتداء سترات الرصاص للحماية من الإشعاع.
- الحفاظ على مسافة مناسبة بعيدًا عن الإشعاع.
- تقليل التعرُّض للإشعاع إلى الحد الأدنى متى ما أمكن ذلك، مثل الاعتماد على السونار أو أشعة الرنين المغناطيسي بدلًا من الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب.
- تقليل الجرعات الإشعاعية المُستخدَمة في الفحوصات الدورية.
4. آلام الأطباء نتيجة الإجهاد أو تعرض الجسم لأوضاع غير صحية
ما زالت هناك بعض المخاطر الصحية التي لا يلتفت إليها كثير من الأطباء، مثل آلام الرقبة وآلام الظهر، وإصابات الجهاز العضلي الهيكلي الأخرى، وهذه الإصابات أكثر شيوعًا عند الجرّاحين، فهم يقفون أوقاتًا طويلة، وكذلك بعض أوضاع جسم الجرّاح أثناء العمل، والتي يحتاج إليها لسهولة الوصول إلى المنطقة المُراد علاجها.
وقد نُشِرت دراسةٌ عام 2020 في “JAMA”، راصدةً بيئة عمل 53 جرّاح من 12 تخصص مختلف، وذلك في أثناء القيام بالعمليات الجراحية، ووجدوا أنَّ:
- أمضى الجرّاحون ما يقرب من 65% من وقت العمليات في أوضاع للرقبة عالية الخطورة.
- 30% من الوقت في أوضاع الجذع عالية الخطورة.
- 11% من الوقت في أوضاع الكتف عالية الخطورة.
وقد ساهمت بعض العوامل الأخرى في زيادة الوقت الذي يقضيه الجرّاح في أوضاع تضر فقراته وعظامه بسبب طول فترة علاج بعض الحالات أو زيادة سنوات الممارسة أو غير ذلك. كذلك يُعانِي ما يقرب من 82% من المُقيمين من تخصص الأنف والأذن والحنجرة بعض الآلام الجسدية، وبعضهم قد يتغيّب أحيانًا عن العمل بسبب هذه الآلام.
وليس الجرّاحون وحدهم عمومًا هم المُعرّضون للمشكلات الجسدية، بل أطباء الجهاز الهضمي يُعانُون أيضًا زيادة في إصابات الرقبة والظهر، إضافةً إلى إصابات الرسغ واليد والمرفق، وذلك بسبب عدد الساعات الكبير المَقضي في استخدام المناظير وما إلى ذلك، إذ تتراوح نسب الآلام الجسدية الهيكلية لدى هؤلاء الأطباء بين 29 – 89%.
لذلك ينبغي للأطباء أيًا كان اختصاصهم أن يكونوا واعين بأوضاع أجسادهم في أثناء العمل قدر المُستطاع، والابتعاد عن الأوضاع عالية الخطورة للرقبة والظهر، ولا بأس بقليلٍ من تمارين التمدُّد كل يوم، وكذلك ممارسة التمارين الرياضية للوقاية من هذه الإصابات، وتعزيز الصحة عمومًا.
نصائح للأطباء للوقاية من المخاطر الصحية لمهنة الطب
ينبغي للأطباء أن يكونوا على حذر من المخاطر الصحية المُتعلّقة بمهنتهم، خاصةً مع عملهم في بيئة مليئة بالعدوى، ومن أهم النصائح لتحقيق ذلك:
- تلقّي التدريبات اللازمة للوقاية من العدوى والتعامل معها حال الإصابة بها.
- الحصول على التطعيمات الخاصّة بالأمراض الشائعة، والتي قد يكون الأطباء مُعرّضين لها خلال عملهم في المستشفيات.
- الاهتمام بالحماية الشخصية من العدوى بارتداء القفّازات، والكمامة أو قناع الوجه، خاصةً عند التعامل مع المُصابين بأمراضٍ تنفُّسية، أو في أثناء بعض الإجراءات مثل الحقن.
- معرفة البروتوكولات الصحية المُتَّبعة في حالة التعرُّض لإصابةٍ ما، سواء من خلال إبر الحقن، أو من خلال عدوى تنفُّسية.
- التخلُّص من النفايات البيولوجية بالطرق الصحية وإعلام المُدراء والمشرفين بشأن النفايات غير الآمنة.
- معرفة الأعراض المُبكِّرة التي قد تدل على مشكلات الجهاز العضلي الهيكلي، مثل استمرار آلام الرقبة أو الظهر، أو تكرّرها من وقتٍ لآخر، وكذلك التنميل والوخز، وغيرها، وأيضًا الاهتمام بوضعية الجسم بألّا يكون في وضعية تضغط على الفقرات أو تضر الجسم، خاصةً لمن يقضون أوقاتًا طويلة في غرف العمليات.
- أخذ فترات راحةٍ منتظمة خلال العمل، خاصةً إذا تطلّب العمل أوضاعًا جسدية قد تضره، وذلك للحفاظ على صحة الفقرات قدر الإمكان.
المخاطر القانونية لمهنة الطبيب
لا تقل المخاطر القانونية أهمية عن المخاطر الصحية، بل قد تكون أهم منها، فمن المهم لأي طبيبٍ أن يعرف مخاطر مهنته القانونية؛ كي لا يقع في حرجٍ مع المرضى أو يتفاجأ بدعاوى قضائية تنهمر عليه، وربّما يُسجن أو يخسر وظيفته بنهاية المطاف؛ لذلك فمن المخاطر القانونية التي قد يقع فيها بعض الأطباء:
1. عدم توثيق الإجراءات العلاجية
لا ينبغي بأي حالٍ من الأحوال إجراء عملية جراحيةٍ أو أي تدخُل في جسم المريض دون الحصول على موافقةٍ مُسبقةٍ منه أو مِمّن ينوب عنه، فحتى لو تجاوب المريض معك شفهيًا، فلن يمنعه شيء من رفع دعوى قضائية بسوء الممارسة الطبية؛ لذلك ينبغي للطبيب أن يُؤمِّن نفسه من هذا الجانب ويُوثِّق حالة المريض، ويحصل على موافقة مُسبقة منه مُؤثّقة.
2. عدم الإحالة إلى طبيب مُختص
الخطأ الثاني الذي قد يقع فيه بعض الأطباء هو عدم إحالة المريض إلى طبيب مُختص، فهو لن يقدر على مُعالجة كل المرضى بالتأكيد، وإذا قدم عليه مريض يُعانِي مشكلةٍ ما، ثُمّ وصف له علاجًا خاطئًا أو أفضى إلى مضاعفات قاتلة، فالخطأ هنا على عاتق الطبيب؛ لأنّه لم يُحِلْه إلى طبيبٍ أعلم أو أكثر اختصاصًا بهذا الشأن، ما يجعله عُرضةً لرفع دعوى قضائية عليه بالإهمال.
3. تضخيم توقّعات المريض (التسويق الكاذب)
قد يُضخِّم بعض الأطباء توقّعات المرضى بشأن نتائج بعض العمليات، خاصةً الجراحات التجميلية، مثل تكبير الثدي وما إلى ذلك، أو قد لا يُعلِم الطبيب المريض بشأن المضاعفات والآثار الجانبية المُحتملة من وراء العملية، وإذ بالمريض يتفاجأ بهذه الآثار الجانبية بعدها، فيُلقِي باللوم على الطبيب في أنّه غير كفء ولا مُؤهّل للعمليات، ثُمّ طريق الدعوى القضائية معروف.
نصائح للأطباء للتعامل مع المخاطر القانونية لمهنة الطب
يكثر وقوع الأخطاء من الأطباء المُبتدئين في سياق المشكلات القانونية، خاصةً مع عدم اطّلاعهم على اللوائح القانونية يف التعامل مع المرضى؛ لذلك ينبغي استشارة طبيبٍ أكبر سنًا بذلك الشأن، أو الاطّلاع على هذه القوانين كجزءٍ من التدريب الطبيعي للطبيب، وقد أشرنا للمخاطر القانونية التي يتعرض لها الأطباء في مقال آخر وهو دليل الأطباء للحماية من الدعاوى القضائية وشكاوى المرضى، وعمومًا مِمّا يُنصَح به أيضًا لتفادي المخاطر القانونية:
- عدم الإقدام على أي إجراءٍ دون الحصول على موافقةٍ مُسبقةٍ مُوثَّقةٍ من المريض، لكن قد يكون المريض غير كفءٍ في بعض الأحيان لإتمام التوثيق أو لا يستطيع إعطاء موافقة صحيحة، وهنا قد تنتقل الموافقة إلى أحد الأقارب أو الممثلين القانونيين والمحكمة، فلو كُنت في شكٍ من أمرك والوضع هكذا، فاستشر زُملاءك الأكبر سنًا.
- توضيح الوصفات الطبية للمريض والجرعة وكتابة الوصفة من قِبل الطبيب، مع معرفة الحساسية الدوائية التي عند المريض، ولا يُنصَح بالوصفات الطبية الشفوية إلّا في حالات الطوارئ، وينبغي كتابتها عندما تُتاح الفرصة.
- عدم كشف أسرار المرضى، حتى لو كان المرضى في سن الطفولة، فهم ما يزالون يتمتّعون بنفس حقوق البالغين، ولا يُسمَح بكشف أسرار أي مريضٍ إلّا إذا كان هناك خطرٌ يُهدّد المجتمع مثلًا، كما يُطلَب من الأطباء إبلاغ السلطات بالأمراض الوبائية المُتفشية، وذلك لوقاية المجتمع من العدوى.
- إحالة المرضى إلى طبيبٍ أكثر خبرة أو أعلى في التخصص إذا لم تكن مُؤهّلًا للتعامل معه كما ينبغي، وإلّا فقد يُقاضيك المريض إذا وقع ضرر عليه.
المخاطر النفسية لمهنة الطبيب
رُبّما يتجاوز الطبيب المخاطر الصحية، ويتفادى الأخطاء القانونية في الممارسة، لكن هل يسعه تفادي المخاطر النفسية؟
1. التوتر والقلق
عمل الطبيب مع المرضى، خاصةً مِمّن هم في حالةٍ حرجة، يستدعي التوتر والقلق بلا شك، فالمريض قد يحتضر بين يديه إذا لم يتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المُناسِب. كذلك فإنَّ الأطباء قد يتعاملون مع عددٍ كبيرٍ من المرضى، مثل حالات الحوادث، ما يُلقِي ضغطًا نفسيًا هائلًا عليهم في إنقاذ حياة كل هؤلاء المرضى.
وبعض الأطباء لا يتمكّنون من الحصول على إجازةٍ يُريحون فيها أنفسهم، ويبتعدون ولو قليلًا عن بيئة التوتر والقلق، فمثلًا قد يُطلَب من طبيب النساء والتوليد النهوض لتوليد امرأةٍ في أي وقتٍ أصابها فيه الطلق حتى لو كان في إجازته مثلًا، وكذلك بعض التخصصات الأخرى.
2. الاحتراق النفسي
ينشأ الاحتراق النفسي من التوتر المزمن في بيئة العمل، وقد يُسبِّب انحسار طاقة الجسم والشعور بالإنهاك، وتراجُع كفاءة الطبيب في ممارسته المهنية، وهذا الاحتراق النفسي أكثر شيوعًا بين الأطباء دونًا عن الوظائف الأخرى، خاصةً أنّ كثيرًا منهم يعمل في بيئةٍ تنطوي على توترٍ مستمر، وقد يضطر أحيانًا إلى اتخاذ قرارات مصيرية في التعامل مع المرضى.
3. الحرمان من النوم
الحرمان من النوم أحد المخاطر التي يُعانِيها الأطباء، فكثيرٌ منهم يعملون عددًا طويلًا من الساعات، خاصةً في أوقات التدريب، وتكمن مشكلة الحرمان من النوم في أنّه قد يزيد خطر إصابة الطبيب بمشكلاتٍ صحية لاحقة، كما قد يُؤثِّر على القدرات المعرفية والذاكرة، ما يضر بأداء الطبيب في تعامله مع المرضى.
الأسوأ من ذلك أنَّ بعض الأطباء قد يتعرّضون لحوادث بسياراتهم عندما يقودون إلى منزلهم بعد نوبة عملٍ مُرهقة، تطول أحيانًا إلى 34 ساعة! كما ارتبط الحرمان المزمن من النوم بالإصابة ببعض الأمراض، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والنوبة القلبية وغيرهم.
نصائح للأطباء للوقاية من المخاطر النفسية لمهنة الطب
في مقال سابق أشرنا إلى كيفية تعامل الطبيب مع الضغط النفسي والعصبي في بيئة العمل، وتشمل أهم النصائح التي تُساعِد الأطباء في تجاوز المخاطر النفسية للمهنة ما يلي:
- ممارسة التمارين الرياضية ما أمكن ذلك، فهي تُساعِد في إطلاق الإندورفين الذي يُحسِّن المزاج، ومِمّا يُمكن ممارسته بسهولة المشي.
- تناول طعامٍ صحي، والابتعاد عن الأطعمة المُصنّعة؛ لأنّ الطعام غير الصحي يزيد مستويات الكورتيزول “هرمون التوتر”، ما قد يُفاقِم التوتر ولا يُقلِّله.
- التوقف عن العادات غير الصحية التي تزيد التوتر، مثل التدخين أو الإفراط في القهوة والشاي.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، وتجنُّب استخدام الأجهزة الإلكترونية مع اقتراب موعد النوم، فإراحة الجسم كما يحتاج تُساعِد في تجاوز التوتر وتقليل خطر الإصابة بالأمراض.
- التحدُّث مع زملائك الأطباء بشأن ما يُوتّرك، فمُجرّد الحديث مع أحد الزملاء قد يُخفِّف من حِدّة التوتر كثيرًا.
- إعطاء نفسك وقتًا للراحة كل فترة، ومن ذلك أخذ إجازات بانتظام للحصول على راحةٍ ذهنية مناسبة، والابتعاد عن مواطن التوتر والضغط العصبي.
المخاطر الأُسرية لمهنة الطبيب
من الصعب للأطباء تحديدًا الحفاظ على التوازن الأُسري مع ممارسة المهنة، فقد تطغى المهنة كثيرًا على أمور البيت، وهذا طبيعيٌ مع مهنةٍ تحرص على إنقاذ حياة الإنسان، لكنّ ذلك قد يأتي على حساب البيت. ما يقرب من 30% من الأطباء مُطلّقين أو مُنفصلين عن أزواجهم، وهذا خطر حقيقي يُواجِه الأطباء في صعوبة تحقيقهم التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فبعضهم يهتم بالمرضى أكثر من اهتمامه ببيته، ما ينعكس على بيته بالتفكُّك وانهيار الزواج أحيانًا. وننصح بقراءة مقال من مدونة أبر مدك بعنوان “هل تنجح الأسرة إذا كان الزوجان أطباء؟” أشرنا فيه إلى كيفية دعم الزوجين لبعضهما البعض إذا كان كلاهما طبيب.
نصائح للأطباء للوقاية من المخاطر الأُسرية
لا بُدّ للطبيب من اتخاذ بعض الخطوات للحفاظ على أسرته ولئلا يطغى عمله على حياته الشخصية كما أشرنا في مقال “كيف يحقق الطبيب التوازن بين العمل والحياة الخاصة؟“، وذلك من خلال:
- وضع حدود بين العمل وبين الحياة الشخصية، فوقت العمل للعمل، ووقت البيت للبيت ولا تداخُل بين الاثنين.
- تنظيم الوقت وجدولة الأعمال لإفراغ مساحةٍ كافية لمتطلبات البيت ولرعاية الزوج/ة والأولاد.
- تعلُّم التنازل والاستماع إلى شريك حياتك بشأن ما يُفسِد عليكما العلاقة، والبحث معًا عن سبل تفادي ذلك.
- أخذ إجازات من وقتٍ لآخر للحصول على نزهة عائلية أو لمجرد قضاء وقتٍ إضافي مع الأسرة، خاصةً إذا كُنتَ من ذوي المشاغل الشديدة.
ملخص عن مخاطر مهنة الطب
يتعامل الطبيب مع مخاطر عديدة تُحاصِره في مهنته، سواء على الصعيد الجسدي أو القانوني أو النفسي أو حتى الأُسري، وللتعامل مع هذه المخاطر ينبغي أولًا الاهتمام بتدابير الوقاية في التعامل مع المرضى للوقاية من العدوى، ثُمّ توثيق حالة المريض والإحالة إلى الطبيب المختص إن كانت هناك حاجةٌ إلى ذلك لتفادي المشكلات القانونية والملاحقة القضائية، ثم اهتمام الطبيب بنفسه وإراحة ذهنه من وقتٍ لآخر بدلًا من التوتر، والتحدُّث مع شريك حياته ومعرفة المشكلات الكامنة بينهما وتعلُّم التنازل لاستدامة الزواج والحد من مخاطر المهنة على استقرار الحياة الأُسرية.