تحقيق الأهداف والإنجازات رغبة الجميع، لكن مع سرعة الأيام وكثرة المشاغل، خاصةً للطبيب، قد يستغرق تحقيق أهدافه المهنية وقتًا أطول مما ينبغي؛ لغياب التخطيط لحياته المهنية، فمهما بلغ الطبيب من تقدُّمه الوظيفي فهو بحاجةٍ إلى تخطيطٍ لمستقبله المهني، خاصةً مع الدقة الشديدة التي صارت في المنظومات الصحية.
لماذا يحتاج الطبيب إلى تخطيط حياته المهنية؟
لم تكن العشوائية سبيلًا إلى النجاح أبدًا لا في الماضي ولا في المستقبل، فالتخطيط يُوفِّر الوقت، ويوصلك إلى النتائج بأقل جُهدٍ ممكن، وإن توهَّمت عكس ذلك. يحتاج الطبيب إلى تخطيط حياته المهنية لعدة أسباب:
1. الرضا عن عملك
يسهل عمل الطبيب عندما تكون أهدافه واضحة، ومن أهم ما يشغل بال الأطباء رعاية المرضى، لكن قد يتحوَّل ذلك إلى روتينٍ ممل، خاصةً مع التعامل مع ذات المشكلات الصحية كل يوم. يساعد تخطيط الحياة المهنية وتحديد الأهداف المستقبلية على توسيع الطموح، كما أنَّ تحقيق هذه الأهداف باستمرار، يُشجِّع الطبيب على تقديم أفضل ما لديه في عمله، كما أنَّ خبرته تصير مُرضية له ولمرضاه في نفس الوقت.
فمع تعمق الطبيب في تخصُّصه، يصير قادرًا على علاج عددٍ أكبر من المرضى، بل ويتمكَّن من التعامل مع الأمراض النادرة، والتي قد يعجز غيره من الأطباء عن مُعالجتها. وهو ما لا يتأتى لطبيب لا يخطط لحياته المهنية.
2. تنمية المهارات
رحلتك إلى أن تكون طبيبًا محترفًا لا يشق له غبار ليست يسيرة، وقد استثمرت كثيرًا من المال والوقت في أوراق اعتمادك لهذه المهنة، ومِنْ ثَمَّ فالحفاظ على مهاراتك وتنميتها من الأهمية بمكانٍ لتعزيز تقدُّمك الوظيفي. ويُمكِن أن يتم ذلك من خلال تعليم الأطباء الآخرين ما تعلمته، فهذه وسيلة للتعلُّم المستمر بالنسبة لك تزامنًا مع ممارستك الطبية.
أيضًا تسمح العديد من برامج التطوير المهني التي تُقدِّمها الهيئات الطبية المُختصة بتوسيع مهاراتك الطبية، أو تعزيز المهارات الحالية لك، وذلك في جميع التخصصات الطبية. وكُلَّما كان الطبيب ماهرًا، وملتزمًا بخطة مهنية واضحة، تحسَّنت رعايته للمريض، واكتسب سُمعة طيِّبة بين الناس.
3. توسيع خياراتك في سوق العمل
يشمل تخطيط الحياة المهنية للطبيب العديد من الجوانب، بدءًا من وضع الأهداف، مرورًا بالتعلُّم المستمر. ينبغي أن تُساعِدك الخطة المهنية في الانتقال من مستواك الحالي في الممارسة الطبية إلى رتبةٍ أعلى، وقد يصحب ذلك مسؤوليات إضافية، أو الحاجة إلى معرفة أكثر تخصصية، لكن في نهاية المطاف، ما تكتسبه من مهارات يُوسِّع خياراتك في سوق العمل، ويجعل توظيفك غير قابلٍ للرفض من قبل مديري المستشفيات والعيادات.
4. تحقيق الأهداف المهنية
يصعب الوصول إلى الأهداف دون خطةٍ أولًا، ويُفضَّل أن تكون الأهداف واقعية، قابلة للتحقيق، ولها إطار زمني مُعيَّن، يُحدِّد لك الوقت المُفترَض لتحقيق الهدف. قد تكون الأهداف على مدى زمني طويل، مثل: اكتساب التخصص الطبي، أو أن يكون لك ممارستك في عيادتك الخاصة، أو شغل منصبٍ إداري.
وقد تكون الأهداف قصيرة الأمد، مثل: التمكُّن من رعاية عددٍ كبيرٍ من المرضى، أو حضور دورات التطوير المهني، أو غيرها.
وهي أهدافٌ كما ترى، لا يستغني عنها طبيبٌ سواء كانت طويلة أم قصيرة الأمد، وأفضل سبيلٍ لتحقيق هذه الأهداف تخطيط الحياة المهنية جيدًا، والتوازن بين الأهداف طويلة الأمد وقصيرة المدى، وترتيب الأولويات، لا السير بعشوائية.
5. اكتساب عادات مثالية
رُبَّما لست مُعتادًا على التخطيط لشيءٍ ما، وعندما تعمل لتحقيق أهدافك مثلًا، فمن السهل أن تجد شغفك مُتقدًا لتحقيقها بدلًا من مجرد الحضور إلى المكتب، ورؤية المرضى، والعودة إلى المنزل، كما اعتدت دائمًا.
فإذا كان أحد أهدافك مثلًا القدرة على التعامل مع عددٍ أكبر من المرضى، أو تحمُّل مسؤوليات إضافية في ممارستك الطبية، فستحاول تنظيم وقتك، أو الابتعاد عن المُشتِّتات، أو تقليل المهام الزائدة عن حاجتك. وهذه عادات رائعة على صعيد الحياة الشخصية، ليست فقط الحياة المهنية، كما أنَّها تُفسِح المجال لا لتخطيط الحياة المهنية فقط، بل لتخطيط أي شيءٍ ترغب في تحقيقه لاحقًا.
كيف يخطط الطبيب لحياة مهنية ناجحة؟
أيًا كانت المرحلة التي بلغتها في حياتك المهنية، فلم تتأخَّر بعد عن التخطيط لمستقبلك المهني، فمن أكبر الأخطاء التي قد يرتكبها الطبيب في حقِّ نفسه عدم التخطيط لحياته المهنية، وهذا قد يقوده إلى الاكتفاء بما حقَّقه وعدم التقدُّم في مجاله. وفي هذا السياق، تشمل أهم النصائح التي يحتاج إليها الطبيب لصُنع حياة مهنية ناجحة ما يلي:
1. تصفية الذهن وتحديد الأولويات في الخطة
بالتأكيد لديك شكل عام عن حياتك المهنية مستقبلًا طوال سنوات دراستك وممارستك للمهنة، ولكن دون رسم خطة واضحة، فقد تصير أهدافك سرابًا لا تصل إليه. والآن بعد أن صرتَ طبيبًا ممارسًا، أو مارست سنوات طوال في اختصاصك، تأكَّد أنَّك بحاجةٍ إلى بعض الوقت لرسم خطة واضحة لتقدُّمك المهني، والوقت المُقدَّر لتحقيق هذا التقدُّم.
وسواءٌ كُنتَ سعيدًا بما وصلت إليه الآن، أو غير راضٍ عنه، فما زال الطلب مستمرًا في مختلف الاختصاصات الطبية، ولا تزال الفرص المتاحة لك كثيرة. وبالابتعاد عن المُشتِّتات، وبذهنٍ صافٍ، يُمكِنك تخطيط حياتك المهنية بما يُناسِبك ويُسعدِك الآن وفيما بعد، سواءٌ كانت رغبتك في افتتاح عيادتك الخاصَّة، أو العمل طبيبًا بالخارج.
2. المبادرة إلى التعلّم بعد التخطيط
بناءً على الخطة التي وضعتها لحياتك المهنية، فقد تكون خطوتك التالية هي الاستعداد للانتقال إلى دورٍ قيادي، أو البحث عن فرصةٍ جديدة في العمل. فمثلًا إن كُنتَ ترغب في دورٍ قيادي، فلذلك مسار مُعيَّن وتعليم إضافي، بجانب ما تتقنه من مهارات طبية، ستحتاج إليه حتمًا لصعود السُلّم قبل بلوغ الدور القيادي.
قد يرغب بعض الأطباء في إدارة المستشفيات مثلًا، وهذا التخصص يحتاج إلى الحصول على ماجستير إدارة المستشفيات؛ إذ لا تكفي المهارات الطبية وحدها في إدارة المستشفيات. أمَّا لو كُنتَ تبحثُ عن فرصةٍ جديدة خارج البلاد مثلًا، فلا تترك الوقت يمر دون أن تُخطِّط أو تبدأ في اتخاذ المسار الجديد؛ لانتهاز فرصة العمل التي تبحث عنها.
يُفضِّل بعض الأطباء التخطيط للسفر إلى ألمانيا، وذلك يمرُّ بخطواتٍ عديدة، وهذا مثال لخطة طبيب يريد السفر لألمانيا ويضع هذا الهدف على قمة أولوياته:
- تعلُّم اللغة الألمانية وتجاوز المستوى الأول A1 على الأقل.
- مراسلة هيئات التعديل في ألمانيا حسب الولاية التي يرغب في العمل فيها.
- تحضير الأوراق المطلوبة وملء الاستمارات، ثُمَّ إرسالها بالبريد إلى هيئة التعديل.
- الاستمرار في دراسة اللغة الألمانية حتى تتم الإجراءات، والترقِّي في المستوى اللغوي.
- تحضير الأوراق المطلوبة للسفارة، والتي قد تضمُّ السيرة الذاتية، واستمارة التأشيرة.
- بعد الحصول على تأشيرة الشنغن، يُسافِر الطبيب إلى ألمانيا، ثُمّ يتقدُّم لامتحان اللغة الألمانية في أحد معاهد البلد.
وهذا مثال على الخطوات الأولى في التحضير للسفر إلى بلدٍ أوروبي؛ للحصول على فرصةٍ أفضل في المجال الطبي، وكما ترى فالخطوات ليست متوالية، وإنَّما يسير الطبيب في كافة الأصعدة قدر وسعه، فيستمر في دراسة اللغة الأجنبية، بينما هو يُراسِل هيئات التعديل، وهذا يتطلَّب تخطيطًا جيدًا وتنظيمًا عاليًا للوقت.
3. اجتياز العقبات دون قلق
يمرُّ الأطباء بعقباتٍ كثيرةٍ خلال مسارهم المهني بعد التخرُّج، فقد يبذلون أموالًا كثيرة، ووقتًا ثمينًا للتقدُّم المهني مع عدم وجود ضمانات مُؤكَّدة لتحقيق النجاح، فبعض البرامج التدريبية مثلًا تُتِيح 3 محاولات للقبول، محاولة واحدة كل عام.
لكن هذه العقبات ليست حاجزًا؛ إذ إنَّ أغلب الأطباء ينجحون ويجتازون هذه الاختبارات، ويُقبَلون في نهاية المطاف في المسار الذي يختارونه لحياتهم المهنية. وبتخطيط الطبيب جيدًا للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه، بدءًا من تنظيم الوقت، وترتيب الأولويات بين العمل في المستشفيات أو قضاء بعض الوقت للمذاكرة، يجتاز الاختبارات والمناقشات بسهولة، ويحصل على الدرجة العلمية المرموقة.
وبإهمال التخطيط لمثل هذه الأمور، يُصبِح من الصعب بلوغ الارتقاء المهني الذي يريده الطبيب، خاصةً إذا كانت له مشاغل كثيرة، أو نوبات مُتعدِّدة في المستشفيات.
4. فهم النفس جيدًا قبل التخطيط
كي تجدَ ما ترغبه في حياتك المهنية مستقبلًا، ينبغي أن تفهم نفسك أولًا، ويُمكِنك عمل قائمة بنقاط قوتك، مهاراتك، وشغفك، ثُمَّ يسعك التفكير فيما يزيد مهاراتك ويُطوِّر حياتك المهنية وفق النهج الذي تريده.
وينبغي أن تكون واقعيًا في تطلعاتك إلى المسارات المهنية المتاحة؛ لأنَّ بعضها قد يحمل منافسة شرسة، وقد لا تمتلك نقاط قوة تُؤهِّلك لخوض مثل هذه المنافسات، فالأهم من وضع خطة لحياتك المهنية هو أن تكون الخطة ملائمة لك ولنقاط قوتك واحتياجاتك.
ولا تنظر إلى نفسك فقط، بل خذ جولة وأدِر النظر فيما حولك، واحضر ما تستطيعه من مؤتمرات المهن الطبية، وورش العمل؛ لتحصيل أفكارٍ عن التطور المهني الذي ترغب به، وتحدَّث إلى زملائك الآخرين أيضًا، فرُبَّما لديهم ما يُفِيدك لتخطيط حياتك المهنية بنجاح. ومن المهم كذلك أن لا تُهمِل التخطيط لحياتك المهنية وتنتظر إلى آخر دقيقة، فالقرار لا بُدَّ أن يُؤخَذ باكرًا، كما ينبغي البدء في الخطة دون تأجيل.
لا تدع وجهة نظرك مُنقادة وراء تحيزات الآخرين، الذين قد يكون لديهم أفكار سلبية بشأن مجالات مُعيَّنة، أو يحاولون تنفيرك عنها، ولا تنسَ في النهاية أن تختار ما يُلائِم مهاراتك ورغباتك. وأخيرًا لا ترفض الخيارات المهنية بسبب صدامٍ شخصيٍ مع استشاري أو طبيبٍ آخر في نفس التخصص، فالتخصص المهني ليس علاقة بالأمور الشخصية.