تتمتع الخدمة الطبية العالية في المستشفيات بمعايير خاصّة؛ إذ يجب ألّا يُعانِي المريض أضرارًا أو أن يتفاقم المرض خلال رحلة الرعاية أو تلقّي العلاج، كما تهدف ممارسات الرعاية الصحية إلى الحفاظ على سلامة المرضى وتحسين نتائج علاجهم، بالإضافة إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية، فما هي أفضل الطرق لتحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات؟
متى تكون الرعاية أو الخدمة الصحية عالية الجودة؟
حدّدت منظمة الصحة العالمية (WHO)، والأكاديمية الوطنية للطب 7 علامات لقياس الرعاية عالية الجودة، والتي ينبغي أن تكون على النحو التالي:
- آمنة: يجب ألّا تُسبِّب الرعاية عالية الجودة للمريض أي ضرر، أو تُفاقِم الأمراض، أو تضع المريض في أوضاع غير ضرورية قد تضره.
- فعّالة: يجب أن تكون الرعاية عالية الجودة قائمة على الأدلة (Evidence-based) ومُصمّمة خصيصًا لحالة المريض، مع تجنّب العلاجات التي من غير المرجّح أن تفيد المريض.
- محورها الإنسان: ينبغي النظر بعناية في الاحتياجات والتفضيلات الفردية لكل شخصٍ يأتي إلى مرافق الرعاية الصحية، بما في ذلك خلفيته الثقافية وقِيمه الشخصية، ووضعها بالحسبان في كل مرحلة من مراحل رعايته.
- الآنية: لا ينبغي أن يضطر المرضى إلى تحمّل فترات انتظارٍ طويلة، لتلقّي رعاية لحالة حرجة، خاصةً لو أدّى ذلك التأخير إلى الإضرار بصحتهم.
- المساواة: تُقدّم الرعاية عالية الجودة بمساواة بغض النظر عن الجنس والعرق والدين، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والموقع الجغرافي، والخصائص الشخصية الأخرى.
- الكفاءة: تتجنّب الرعاية عالية الجودة إهدار الموارد والوقت والمال والطاقة، سواء لمُقدِّمي خدمات الرعاية الصحية أو للمرضى.
- التكامل: يجب أن تكون رعاية المريض متسقة مع الخدمات الصحية الأخرى ذات الصلة، مع تزويد المريض بأقصى قدر ممكن من الوصول إلى تلك الخدمات ذات الصلة.
أمثلة على تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات
ثمّة بعض الأمثلة التي تُوضِّح تحسين جودة الخدمة الطبية، مثل:
- انخفاض أخطاء إدارة الأدوية: وذلك قد يكون من خلال التأكّد من السجل الإلكتروني للمرضى، بأنّهم قد تلقّوا الجرعات الصحيحة والدواء الصحيح، ما يُحافظ على سلامة المرضى، ويُقلِّل من الأخطاء خلال رحلة العلاج.
- انخفاض عدد حالات العدوى بسبب القسطرة البولية: وذلك يأتي نتيجة الاعتماد على بروتوكولات الوقاية من العدوى واستخدام تقنيات التعقيم خلال الإدخال، وتقليل استخدام القسطرة وضمان إزالتها في الوقت المناسب، وهذا يُؤدِّي إلى انخفاض مُعدّلات الإصابة بالعدوى، وعدم إقامة المرضى لفترة طويلة في المستشفى، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الرعاية الصحية.
- تحسين تنسيق الرعاية بين الأقسام: وهذا من خلال عقد اجتماعات منتظمة أو إنشاء سجلات صحية إلكترونية مشتركة، ما يؤدي إلى تحسين التواصل والتعاون بين الأقسام، ويُقلِّل التأخير في علاج المرضى.
- تحسين وثائق السجلات الطبية الإلكترونية: وذلك عبر تدريب مُقدِّمي الرعاية الصحية على أفضل الممارسات لتوثيق للسجلات الطبية الإلكترونية، ما يساعد على اتخاذ قرارات سريرية أفضل، وتحسّن نتائج علاج المرضى.
- خفض أعداد الحالات التي تدخل المستشفى مجددًا: وهذه من أوضح العلامات على تحسّن جودة الخدمة الطبية بلا شك، لكن ذلك لا يحدث دون تنظيم وترتيب، بل بوضع برامج شاملة لمتابعة المريض، وتثقيفه بحالته وطرق علاجه، وهذا يُحسِّن صحة المرضى وعلاجهم، كما يخفض تكاليف الرعاية الصحية.
أهمية تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات
يضمن تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات حصول المرضى على أفضل خدمةٍ طبية ممكنة، مع ارتفاع نسب الشفاء وانخفاض تكاليف الرعاية الصحية ومدة بقاء المريض في المستشفى.
كما تكمن أهمية تحسين جودة الخدمة الطبية في الأمور الآتية:
1. الحفاظ على سلامة المريض
سلامة المرضى هي أهم سبب لتحسين جودة الخدمة الطبية الصحية؛ إذ تهدف إلى تقليل الأخطاء الطبية والإصابات وفرص الإصابة بالعدوى.
وتُساعِد استراتيجيات تحسين الجودة في خلق بيئة آمنة للمرضى، والتأكّد من حصولهم على أعلى جودة من الرعاية، وهذا يتضمّن وضع بروتوكولات للإبلاغ عن الحوادث، وتوحيد بروتوكولات السلامة.
2. زيادة رضا المرضى
تُوفِّر أنظمة جودة الخدمة الطبية الصحية أعلى مستوى من الخدمة للمرضى من خلال خلق بيئة تشجّع التواصل وتُشرِك المرضى في صُنع القرار، وبما يضمن أيضًا حصول المرضى على أفضل علاجٍ ممكن، وهذا يزيد رضا المرضى بلا شك.
ولا يساعد الرضا على إبقاء المرضى راضين ومخلصين فحسب، بل إنّ له أثر إيجابي أيضًا في نتائج العلاج، فقد وجدت الدراسات أنّه عندما يكون المرضى أكثر رضًا عن الرعاية التي يتلقّونها، فمن المُرجّح أن يلتزموا خطط العلاج ويتّبعوا التعليمات التي يُوفّرها لهم مُقدِّمو الرعاية الصحية.
وهذا يُؤدِّي إلى نتائج أفضل للمرضى ومضاعفات أقل، بالإضافة إلى قلّة عدد مرات دخولهم المستشفى من جديد.
3. تحسين النتائج الصحية
يُؤدِّي تحسين جودة الخدمة الطبية إلى تحسين النتائج الصحية للمرضى؛ إذ تضمن تنفيذ الممارسات القائمة على الأدلة والإرشادات السريرية، وحصول المرضى على علاجات مناسبة وفعّالة، مُصمّمة لتلبية احتياجاتهم الفردية.
كما أنّ الممارسة القائمة على الأدلة (Evidence-based practice) هي نهج تستند فيه القرارات إلى أفضل الأدلة المتاحة من الدراسات البحثية الموثوقة، وذلك يتضمّن تقييم العلاجات والبروتوكولات الحالية لتحديد ما هو أكثر فعّالية للمرضى.
كذلك يُساعِد تحسين الجودة أيضًا نظام الرعاية الصحية على تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين حقيقي وإنشاء استراتيجيات جديدة، يمكن أن تساعد في تحسين النتائج للمرضى، مثل تطوير معايير الجودة، وتنفيذ أنظمة تتبع رعاية المرضى.
4. خفض التكاليف
يُؤدِّي تحسين جودة الخدمة الطبية الصحية إلى تقليل الهدر وزيادة الكفاءة، واستخدام الموارد بأفضل طريقة ممكنة، ما يُؤدي إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية إلى جانب الحفاظ على صحة المرضى.
وتساعد مشاريع تحسين الجودة في العثور على أماكن داخل المؤسسة الصحية، يمكن فيها تحديث العمليات والبروتوكولات أو تغييرها لتوفير رعاية أفضل وعالية الجودة، مُصمّمة لتلبية احتياجات كل مريض.
وهذا يساعد في تقليل الأخطاء الطبية ومعدلات الإصابة بالعدوى وغيرها من المشكلات، مع خفض التكاليف والتأكّد من حصول المرضى على أفضل رعايةٍ ممكنة.
5. الامتثال للوائح التنظيمية
تساعد برامج تحسين الجودة مؤسسات الرعاية الصحية على التأكّد من اتباعها لجميع القواعد، والعثور على المخاطر المحتملة، والتوصل إلى طرق الإبلاغ عنها، وهذا يشمل إنشاء أنظمة لتتبع رعاية المرضى، وأيضًا قياس نتائج المرضى. كما تضمن مبادرات تحسين الجودة أيضًا اتباع مؤسسات الرعاية الصحية جميع القوانين والقواعد المعمول بها في هذا المضمار.
فمثلًا يمكن أن تشمل مبادرات الجودة وضع سياسات وإجراءات لضمان تحديث سجلات المرضى والحفاظ على دقتها، والتأكد من أمان المعلومات الصحية للمرضى وأنّها غير مُعرّضة للاختراق، وهذا يضمن الامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بخصوصية وأمن وسلامة معلومات المريض.
5 طرق لتحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات
يمكن تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات، والتأكّد من حصول المريض على أعلى خدمة طبية ممكنة، مع تقليل المخاطر وخفض التكاليف من خلال:
1. الاهتمام بالرعاية الوقائية
يتلقّى المرضى الذين يشاركون في الرعاية الوقائية رعاية عالية الجودة، ويرون نتائج سريرية أفضل؛ إذ أظهرت الأبحاث ذلك في العديد من المجالات، بما في ذلك السرطان والأمراض المزمنة، والأمراض المُعدية، والصحة العقلية وتعاطي المخدرات، وصحة الفم والعيون.
وتُقدِّم تطوّرات الطب الحديث رؤىًٍ غير مسبوقة حول عوامل الخطر الفردية للمريض، ما يُوفِّر فرصة للوقاية من الأمراض والتخفيف من حدتها على المدى الطويل.
وتظهر تلك المخاطر الصحية الفريدة للمريض والثغرات في الرعاية الصحية من خلال مراقبة أنماط الصحة للأُسر، ونمط الحياة، والصحة النفسية، والحالة الاجتماعية.
كما أتاحت التطورات في التطعيمات والفحوصات والاختبارات المعملية للمرضى بالمشاركة في مستقبل صحتهم بشكلٍ استباقي، فتحويل المرضى من التفاعل مع حالتهم إلى النهج الاستباقي للحفاظ على صحتهم، سيغير جودة الخدمة الطبية التي سيختبرونها لبقية حياتهم، فليس من تجنّب المرض بالرعاية الوقائية كمن أصابته العديد من الأمراض المزمنة.
لذا فإنّ الرعاية الوقائية أحد أهم طرق تحسين جودة الخدمة الطبية الصحية، لأنّها تمنع زيادة أو تطوّر المرض بين المرضى، كما تجعلهم مشاركين في حماية أنفسهم من الأمراض بتوعيتهم بطرق الوقاية المُفترض اتباعها.
2. تجميع البيانات وتحليل نتائج المرضى
كيف ستتحقّق مِمّا إذا كانت مؤسستك مطابقة لمعايير جودة الخدمة الطبية دون تحليل البيانات المتاحة لديك؟ يجب عليك تحليل العمليات التنظيمية ونتائج المرضى لتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
ثُمّ يمكنك استخدام هذه البيانات لوضع حجر الأساس لخلق رعاية تتمحور حول المريض بشكلٍ أفضل. ففي حين أنّ السجلات الطبية الإلكترونية وُجِدت لتلبية طموحات المريض في تلقّي رعاية مناسبة، لكن الحقيقة أنّ المحور صار التركيز على التوثيق، وتحسين الفواتير وزيادة الإيرادات، وليس هذا هو تحسين الجودة.
لذا إذا كُنت تريد تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفى، فكُن صارمًا بشأن تتبع صحة المريض، كما قد تفعل بشأن تتبّع الفواتير، واعتمد على السجلات الطبية الإلكترونية لديك ودراسات النتائج، واستطلاعات رضا المرضى، ومصادر البيانات الأخرى لمراقبة صحة المرضى ونتائج الرعاية والتكاليف، فهذا سيضعك في بداية الطريق.
3. التركيز على إشراك المريض
المريض هو أفضل من يتعامل مع صحته، لكن يجب إشراكه أولًا في ذلك وتعليمه أن يكون استباقيًا في الحفاظ على صحته وحماية نفسه من الأمراض، وهي ليست مهمة سهلة، لكن ينبغي للأطباء الاهتمام بها وعدم الاكتفاء فقط بوصف الأدوية للمرضى.
لذا يجب إعداد أطباء الرعاية الأولية بشكلٍ أفضل لضمان الرعاية الصحية الكاملة للمريض، وذلك من خلال تشجيع التواصل بين العائلات والأطباء ومقدمي الرعاية الآخرين طوال رحلة الرعاية الصحية الكاملة للمريض.
4. الاتصال والتعاون مع المنظمات الأخرى
أيضًا يجب على المؤسسات الصحية التي تسعى لتحسين جودة الخدمة الطبية بها البحث عن المنظمات الأخرى، سواء في منطقتها أو في جميع أنحاء العالم، والتي يمكن التعلم منها كيفية تحسين جودة الخدمة الطبية وتحسين حياة المرضى؛ إذ يمكنك أن تجد منظمات الرعاية الصحية التي يمكنك الشراكة معها لتحسين رعاية المرضى.
5. دمج الرعاية الصحية السلوكية
على الرغم من من الأدلة المؤكدة على ارتباط الصحة النفسية والجسدية للمريض ارتباطًا وثيقًا، فلا تزال خدمات الرعاية الصحية النفسية والسلوكية غير متاحة، ويمثّل تلقّي رعاية من هذا الباب وصمة عار لقطاعات كبيرة من السكان.
لكن تسعى خدمات الرعاية الصحية السلوكية المتكملة إلى كسر هذه الحواجز عبر دمج الرعاية الصحية السلوكية بسلاسة في بيئة الرعاية الأولية؛ إذ يمكن للمرضى تلقّي علاجًا شاملًا دون مضاعفات أو انزعاج.
وهذا النموذج المبتكر لتقديم رعاية عالية الجودة للمرضى يُشجِّعهم على التعامل باهتمام وبطريقةٍ صحيحة مع الصحة النفسية خلال رحلة الرعاية.
كما أنّ خدمات الرعاية الصحية السلوكية مفيدة خاصةً لمن يُعانُون أمراضًا مزمنًا؛ إذ ما يقرب من ⅓ المرضى المصابين بأمراض مزمنة، يُعانُون اضطرابات نفسية؛ الاكتئاب والقلق أكثرها شيوعًا.
وقد يُسهِم الاكتئاب والقلق في سلوكيات مدمرة وغير صحية، مثل التدخين وسوء التغذية، لذا فإنّ الاهتمام بدمج خدمات الرعاية الصحية النفسية والسلوكية ضروري لضمان أعلى جودة للخدمة التي يتلقّاها المريض، وتحسين حياته.
ملخص عن طرق تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات
تلتزم معايير جودة الخدمة الطبية في المستشفيات بالحفاظ على سلامة المرضى، وضمان أعلى فعالية لطرق العلاج، وتحسين نتائجه، بالإضافة إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية، والامتثال للوائح التنظيمية.
ويمكن تحسين جودة الخدمة الطبية في المستشفيات من خلال الاهتمام بالرعاية الوقائية، التي تضمن حماية المريض من الإصابة بالأمراض لاحقًا، كما يتضمّن ذلك توعيتهم، حتى يكون المريض سبّاقًا في اتّباع طرق الوقاية من الأمراض المزمنة.
كذلك ينبغي تجميع البيانات المتاحة وتحليل نتائج المرضى، لمعرفة مكامن الخلل والعمل على تحسينها، لضمان تقديم أفضل رعاية صحية ممكنة، وقد يثمر ذلك جدًا بالتعاون مع المنظمات الأخرى المتخصصة في إدارة جودة الخدمة الطبية الصحية.
كما يجب التركيز على إشراك المريض في رحلة علاجه وتعافيه، وذلك بتدريب الأطباء على التواصل الفعّال مع المرضى وعدم الاكتفاء بتقديم الرعاية السريرية فقط، كما أنّ دمج الرعاية الصحية السلوكية أحد طرق تحسين جودة الخدمة الطبية، خاصةً لمن يُعانُون أمراضًا مزمنة، فكثيرٌ منهم يُعانِي اضطرابات نفسية، وقد يساعد التعامل مع تلك الاضطرابات في تحسين جودة حياتهم، وقبل ذلك رفع جودة الخدمة الطبية في المستشفيات بطريقةٍ مبتكرة.